للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير: وقد يكون اجتمع هذان السببان - الثاني والثالث - في وقت واحد، فنزلت هذه الآيات في ذلك كله، والله أعلم. (١)

قال ابن كثير: فهذه أحاديث دالة على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حكم بموافقة حكم التوراة، وليس هذا من باب الإلزام لهم بما يعتقدون صحته؛ لأنهم مأمورون باتباع الشرع المحمدي لا محالة، ولكن هذا بوحي خاص من الله - عز وجل - إليه بذلك، وسؤاله إياهم عن ذلك ليقررهم على ما بأيديهم، مما تراضوا على كتمانه وجحده، وعدم العمل به تلك الدهور الطويلة فلما اعترفوا به مع عَملهم على خلافه، بان زيغهم وعنادهم وتكذيبهم لما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم، وعدولهم إلى تحكيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما كان عن هوى منهم وشهوة لموافقة آرائهم، لا لاعتقادهم صحة ما يحكم به لهذا قالوا: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا} أي: الجلد والتحميم {فَخُذُوهُ} أي: اقبلوه {وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} أي: من قبوله واتباعه (٢).

الوجه الثاني: هذا التحكيم فيما يتفق مع القرآن لا فيما يناقضه أو يخالفه.

فقد أمر أهل (التوراة) أن يحكموا بما أنزل الله في كتابهم! وأمر أهل (الإنجيل) أن يحكموا بما أنزل الله في كتابهم! والله أنزل في التوراة وأنزل في الإنجيل الأمر باتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - فإذا لم يحكموه، فكأنهم لم يحكموا التوراة والإنجيل. وإذا لم يؤمنوا به، فكأنهم لم يؤمنوا بما في التوراة والإنجيل. يتضح لنا أن المقصود تحكيم هذه الكتب، فيما يتفق مع القرآن لا فيما يناقضه أو يخالفه. (٣)

قال ابن كثير: وقوله: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ} قُرئ {وَلْيَحْكُمْ} بالنصب على أن اللام لام كي، أي: وآتيناه الإنجيل ليحكم أهل ملته به في زمانهم. وقرئ: {وَلْيَحْكُمْ} بالجزم اللام لام الأمر، أي: ليؤمنوا بجميع ما فيه، وليقيموا ما أمروا به فيه، ومما فيه البشارة ببعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - والأمر باتباعه وتصديقه إذا وجد، كما قال تعالى: {قُلْ


(١) تفسير ابن كثير ٥/ ٢٢٩.
(٢) تفسير ابن كثير ٥/ ٢٢٥: ٢٢٦.
(٣) مناظرة بين الإسلام والنصرانية ٢/ ٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>