للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تخصص عموم المحصنات اللاتي يحد من رماهن ولم يأت بأربعة شهداء. وإن من المعلوم أن زنا الزوجة يلحق زوجها به من العار والذم وخلط أولاده بغيرهم ما لا يلحقها هي بزناه.

وعلة ذلك هو: أن في نفوس الأزواج وازعًا يزعهم عن أن يرموا نساءهم بالفاحشة كذبًا وهو وازع التعيير من ذلك ووازع المحبة في الأزواج غالبًا، ولذلك سمى اللَّه ادعاء الزوج عليها باسم الشهادة بظاهرة الاستثناء في قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} وفي نفوسهم من الغيرة عليهن ما لا يحتمل معه السكوت على ذلك، وكانوا في الجاهلية يقتلون على ذلك، وكان الرجل مصدقًا فيما يدعيه على امرأته، وقد قال سعد بن عبادة: لو وجدت رجلًا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مُصفِح، ولكن الغيرة قد تكون مفرطة وقد يذكيها في النفوس تنافس الرجال في أن يشتهروا بها، فمنع الإسلام من ذلك، إذ ليس من حق أحد إتلاف نفس إلا الحاكم، ولم يقرر جعل أرواح الزوجات تحت تصرف مختلف نفسيات أزواجهن (١).

[الثانية: لم اختير لفظ اللعن مع الرجل دون المرأة؟]

واختير لفظ اللعن على لفظ الغضب -وإن كانا مذكورين في الآية- لتقدمه فيهما ولأن جانب الرجل فيه أقوى من جانب المرأة؛ لأنه قادر على الابتداء باللعان دونها ولأنه قد ينكف لعانه عن لعانها ولا ينعكس، واختصت المرأة بالغضب لعظم الذنب بالنسبة إليها، لأن الرجل إن كان كاذبًا لم يصل ذنبه إلى أكثر من القذف، وإن كانت هي كاذبة؛ فذنبها أعظم لما فيه من تلويث الفراش، والتعرض لإلحاق من ليس من الزوج به، فتنتشر المحرمية وتثبت الولاية والميراث لمن لا يستحقهما، وجُوِّز اللعان لحفظ الأنساب، ودفع المعرة عن الأزواج. وأجمع العلماء على صحته، وتخصيص الغضب بالمرأة للتغليظ عليها لكونها أصل الفجور ومادّته، ولأن النساء يكثرن اللعن في العادة، ومع استكثارهنّ منه لا يكون له في قلوبهنّ كبير موقع بخلاف الغضب (٢).


(١) التحرير والتنوير (١/ ٢٨٧٨).
(٢) فتح القدير للشوكاني (٥/ ١٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>