لِيُقْدِم على التهديد بإقامة حدّ من حدود اللَّه، فيه إزهاقُ روحٍ بدون بيّنة من أمره وبدون ضياء من مشكاة النبوة. ولمّا كان الأمر كذلك لم يعارضه أحدٌ لاستناده إلى دليلٍ بخلاف متعة الحج، فإنه لما نهى عنها وقصد أولوية الإِفراد عارضه جمعٌ من الصحابة.
وهذا يدل على صحة ما قُلناه من الإِجماع على تحريمها، لأن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- في هذه الأخبار، وفيما تقدّمها نهى عنها على المنبر وتوعّد عليها، وغلّظ أمرها، وذكر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حرّمها ونهى عنها وذلك بحضرة المهاجرين والأنصار، فلم يعارضه أحدٌ منهم ولا ردّ عليه قولَه في ذلك، مع ما كانوا عليه من الحرص على إظهار الحق وبيان الواجب وردّ الخطأ.
ألا ترى أن أبي بن كعب -رضي اللَّه عنه- عارضه في متعة الحج، وقد عارضه مُعاذ بن جبل في رجم الحامل. . . . لأنه لا يجوز لمثلهم المداهنة في الدين ولا السكوت على استماع الخطأ، لا سيما فيما هو راجع إلى الشريعة، وثابت في أحكامها على التأبيد، فلما سكتوا على ذلك ولم ينكره أحدٌ منهم، علم أن ذلك هو الحقّ وأنه ثابتٌ في الشريعة من نسخ المتعة وتحريمها كما ثبت عنده، فصار ذلك كأنّ جميعهم قَرّروا تحريمها وتثّبتوا من نسخها، فكانت حرامًا على التأييد.
[الوجه الثاني: عدم إنكار الصحابة عليه وإقرارهم على ذلك دليل على التحريم]