للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإمَّا أَنْ يَكُونُوا قَدْ عَلِمُوا حَظْرَهَا بَعْدَ الْإِبَاحَةِ.

فَإِذَا لَمْ يَجُزْ -الوجه الأول- أي: أَنْ يَكُونُوا قَدْ عَلِمُوا بَقَاءَ إبَاحَتِهَا فَاتَّفَقُوا مَعَهُ عَلَى حَظْرِهَا- عَلِمْنَا أَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا -الوجه الثاني- حَظْرَهَا بَعْدَ الْإِبَاحَةِ وَلذَلِكَ لَمْ يُنْكِرُوهُ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالَ عُمَرُ مُنْكَرًا وَلَمْ يَكُنْ النَّسْخُ عِنْدَهُمْ ثَابِتًا لمَا جَازَ أَنْ يقروه عَلَى تَرْكِ النَّكِيرِ عَلَيْهِ، وَفي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى إجْمَاعِهِمْ عَلَى نَسْخِ الْمُتْعَةِ، إذْ غَيْرُ جَائِزٍ حَظْرُ مَا أَبَاحَهُ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلَّا مِنْ طَرِيقِ النَّسْخِ (١).

قال الرازي: ذكر هذا الكلام في مجمع الصحابة وما أنكر عليه أحد، فالحال ههنا لا يخلو إما أن يقال: أنهم كانوا عالمين بحرمة المتعة فسكتوا، أو كانوا عالمين بأنها مباحة ولكنهم سكتوا على سبيل المداهنة، أو ما عرفوا إباحتها ولا حرمتها. فسكتوا لكونهم متوقفين في ذلك.

والأول: هو المطلوب.

والثاني: يوجب تكفير عمر وتكفير الصحابة! ؛ لأن من علم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حكم بإباحة المتعة، ثم قال: إنها محرمة محظورة من غير نسخ لها فهو كافر باللَّه، ومن صدقه عليه مع علمه بكونه مخطئا كافرًا، وهذا يقتضي تكفير الأمة وهو على ضد قوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} (آل عمران: ١١٠).

والقسم الثالث: وهو أنهم ما كانوا عالمين بكون المتعة مباحة أو محظورة فلهذا سكتوا، فهذا أيضًا باطل، لأن المتعة بتقدير كونها مباحة تكون كالنكاح، واحتياج الناس إلى معرفة الحال في كل واحد منهما عام في حق الكل، ومثل هذا يمنع أن يبقى مخفيًا، بل يجب أن يشتهر العلم به، فكما أن الكل كانوا عارفين بأن النكاح مباح، وأن إباحته غير منسوخة، وجب أن يكون الحال في المتعة كذلك، ولما بطل هذان القسمان ثبت أن الصحابة إنما سكتوا عن الإنكار على عمر -رضي اللَّه عنه- لأنهم كانوا عالمين بأن المتعة صارت منسوخة في الإسلام.

فإن قيل: ما ذكرتم يبطل بما أنه روي أن عمر قال: لا أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته، ولا شك أن الرجم غير جائز، مع أن الصحابة ما أنكروا عليه حين ذكر ذلك، فدل هذا على أنهم كانوا يسكتون عن الإنكار على الباطل.


(١) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>