للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن الذين نقلوا الأحاديث من الصحابة، ومن بعدهم من ثقات الرواة؛ كان لهم من الخصائص الدينية والنفسية والخلقية ما يعصمهم من التغيير والتبديل والتساهل في الرواية، وإنكار ذلك مكابرة (١).

[الوجه التاسع: إن القواعد التي أخذ جامعوا الأحاديث بها أنفسهم عند تدوينها؛ هي أدق وأرقى ما وصل إليه علم النقد.]

فهي تميز المقبول من المردود من المرويات، والحق من الباطل، والخطأ من الصواب.

هذه المقدمات والحقائق تسلمنا إلى نتيجة صادقة وهي: أن الكثير من الأحاديث النبوية وصلت إلينا بمحكم لفظها، وأن بعض الأحاديث قد رويت بالمعنى مع التحرز البالغ من التغيير المخل بالمعنى الأصلي، وأن ما عسى أن يكون قد دخل الأحاديث بسبب الرواية بالمعنى شيء يسير قد تنبه له العلماء وبيّنوه. (٢)

الوجه العاشر: الرواية بالمعنى لا تعد كذبًا والصحابة إنما أمروا بالتبليغ على ما جرت به العادة.

فقد علمنا أن عادة الناس قاطبة؛ فيمن يلقى إليه كلام المقصود منه معناه، ويؤمر بتبليغه: أنه إذا لم يحفظ لفظه على وجهه، وقد ضبط معناه؛ لزمه أن يبلغه بمعناه ولا يعد كاذبًا، ولا شبه كاذب، وعلمنا يقينًا: أن الصحابة إنما أمروا بالتبليغ على ما جرت به العادة، من بقي منهم حافظا للفظ على وجهه؛ فليؤده كذلك، ومن بقي ضابطًا للمعنى، ولم يبق ضابطًا للفظ؛ فليؤده بالمعنى، وهذا أمر يقيني لا ريب فيه، وعلى ذلك جرى عملهم في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبعد وفاته؛ فإن الناس يبعثون رسلهم ونوابهم ويأمرونهم بالتبليغ عنهم، فإذا لم يشترط عليهم المحافظة على الألفاظ، فبلغوا المعنى؛ فقد صدقوا: ولو قلت لابنك اذهب فقل للكاتب: أبي يدعوك، فذهب وقال له: والدي -أو الوالد- يدعوك، أو يطلب مجيئك إليه، أو أمرني أن أدعوك له، لكان مطيعًا صادقًا، ولو اطلعت


(١) دفاع عن السنة (٧٤: ٧٣).
(٢) دفاع عن السنة (٧٣، ٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>