وفي حقيقة الأمر نجد في هذه الإصحاحات الثلاثة تناقضات واضحة كبيرة.
والسبب في وجود هذه التناقضات أيضًا يرجع إلى وجود مصدرين لكتابة أسفار التوراة هما المصدر الياهواي والمصدر الكهنوتي. وكما هو معلوم فهذان المصدران اللذان صدرت عنهما كتابة أسفار التوراة يتناقضان ويتعارضان إلى حد كبير.
لقد تم تقطيع كل رواية للحدث إلى أجزاء وتم إدخال تعديلات وتفسيرات في مزيج تداخلت فيه عناصر أحد المصدرين في عناصر المصدر الآخر لدرجة أننا نستطيع أن نلاحظ بوضوح أننا ننتقل من أحد المصدرين إلى المصدر الآخر في ذات قصة الطوفان سبع عشرة مرة، وذلك في غضون ما لا يزيد على مئة سطر تقريبًا في هذا النص من سفر التكوين المكتوب باللغة الإنجليزية. (١)
ثانيًا: نظرة في قصة الطوفان ومدته:
ولو أننا نظرنا إلى قصة الطوفان ككل لوجدناها تمضي على هذا النحو: لما عم الفساد بين الناس قرر الله أن يدمرهم وأن يدمر كل المخلوقات الحية. وحذر الله سيدنا (نوحًا) من الطوفان قبل حدوثه وأمره أن يبني الفلك أو السفينة وأن يدخل فيها زوجته وأولاده الثلاثة وزوجاتهم الثلاث مع كائنات حية أخرى. ويختلف المصدران المتداخلان في رواية قصة الطوفان في تحديد الكائنات الحية الأخرى التي أمر الله سيدنا (نوحًا) أن يدخلها معه إلى السفينة. هناك مقطع من الرواية كهنوتي الأصل يشير إلى أن سيدنا نوحًا قد أخذ معه في السفينة زوجًا من كل نوع. ثم يخبرنا مقطع آخر من الرواية ياهوي الأصل أن الله قد أمر
(١) التوراة والأناجيل والقرآن الكريم بمقياس العلم الحديث ٦٧.