للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدِيثُ مَيْمُونَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: مَرَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِشَاةٍ يَجُرُّونَهَا، فَقَال: "لَوْ أَخَذْتُمْ إهَابَهَا؟ فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ: يُطَهِّرُهَا الْماءُ، وَالْقَرَظُ". (١)

ويحمل المطلق في حديث عبد الله بن عكيم على المقيد في حديث ميمونه؛ إذ النهي في الحديث الأول عن استعمال جلود الميتة قبل دباغها، والإذن في استخدام جلود الميتة إنما هو بعد الدباغ، لا قبله فلا تعارض، فلكل نص موضعه، ويدل لذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: إِذَا دُبغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ (٢).

[الطريقة الرابعة: التوقف]

إذا تعذر كل ما تقدم من الجمع، والنسخ، والترجيح؛ فإنه يجب التوقف حينئذ عن العمل بأحد الحديثين، حتى يتبين وجه الترجيح.

قال الشاطبي: (التوقف عن القول بمقتضى أحدهما، وهو الواجب إذا لم يقع ترجيح) (٣).

قال السّخاوي: ثم التوقف عن العمل بأحد الحديثين، والتعبير بالتوقف أولى من التعبير بالتساقط؛ لأن خفاء ترجيح أحدهما على الآخر إنما هو بالنسبة للمعتبر في الحالة الراهنة، مع احتمال أن يظهر لغيره ما خفي عليه، وفوق كل ذي علم عليم.

وخلاصة ما مَرَّ:

أن شرع رب العالمين يستحيل أن يقع فيه تعارض حقيقي، ووقوع مثل ذلك في شريعة من الشرائع يرفع الاحتجاج بها جملة، وقد اتفق على ذلك العقلاء من جميع الأديان.

وأما التعارض المتوهم الظاهري بين النصوص؛ فهو واقع في أذهان بعض الناس دون بعض، وكلما زاد علم العالم؛ عَلِمَ أن التناقض غير موجود أصلًا في شرع رب العالمين، ولهذا قال ابن خزيمة: لا أعرف حديثين متضادين، فمن كان عنده؛ فليأتني به لأؤلف بينهما. (٤)

وقد اعتنى العلماء بهذا النوع، في القديم والحديث، وأصلوا فيه القواعد والضوابط،


(١) أبو داود (٤١٢٦)، والقرظ: شجر يدبغ به، وقيل هو ورق السلم تدبغ به الجلود.
(٢) مسلم (٣٦٦) من حديث ابن عباس.
(٣) الموافقات (٥/ ١١٣).
(٤) الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (١/ ٤٣٢)، شرح الكوكب المنير (٤/ ٦١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>