للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَوَقَعَ مِنْهُمْ أَعْظَمَ مَوْقِعٍ وَأَلْطَفَهُ وَسُرّوا بِهِ أَتَمّ السّرُورِ، وَحَصَلَ لَهُمْ بِهِ غَايَةُ الهَنَاءِ فَلَوْ أَطْلَعَ الله رَسُولَهُ عَلَى حَقِيقَةِ الحالِ مِنْ أَوّلِ وَهْلَةٍ، وَأَنْزَلَ الْوَحْيَ عَلَى الْفَوْرِ بِذَلِكَ لَفَاتَتْ هَذه الحكَمُ وَأَضْعَافُهَا بَلْ أَضْعَافُ أَضْعَافِهَا.

٥ - إظْهَارُ الله مَنْزِلَتَهُ - صلى الله عليه وسلم - وَأَهْلِ بَيْتِهِ عِنْدَهُ، ... وَأَنْ يُخْرِجَ رَسُولَهُ عَنْ هَذِهِ الْقَضِيّةِ وَيَتَوَلّى هُوَ بِنَفْسِهِ الدّفَاعَ وَالمُنَافَحَةَ عَنْهُ وَالرّدّ عَلَى أَعْدَائِهِ وَذَمّهِمْ وَعَيْبِهِمْ بِأَمْرٍ لَا يَكُونُ لَهُ فِيهِ عَمَلٌ وَلَا يُنْسَبُ إلَيْهِ، بَلْ يَكُونُ هُوَ وَحْدَهُ المُتَوَلّي لِذَلِكَ الثّائِرُ لِرَسُولِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ.

٦ - وَأَيْضًا فَإِنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ هُوَ المَقْصُودَ بِالْأَذَى وَالّتِي رُمِيَتْ زَوْجَتُهُ، فَلَمْ يَكُنْ يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَشْهَدَ بِبَرَاءَتِهَا مَعَ عِلْمِهِ أَوْ ظَنّهِ الظّنّ المُقَارِبَ لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَتِهَا وَلَمْ يَظُنّ بِهَا سُوءًا قَطّ - وَحَاشَاهُ وَحَاشَاهَا - وَلذَلِكَ لمّا اسْتَعْذَرَ مِنْ أَهْلِ الْإِفْكِ قَالَ: مَنْ يَعْذِرُنِي فِي رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهلي وَالله مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهلي إلّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلّا خَيْرًا وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهلي إلّا مَعِي، فَكَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْقَرَائِنِ الّتِي تَشْهَدُ بِبَرَاءَةِ الصّدّيقَةِ أَكْثَرَ مِمّا عِنْدَ المؤْمِنِينَ، وَلَكِنْ لِكَمَالِ صَبر وَثَبَاتِهِ وَرِفْقِهِ وَحُسْنِ ظَنّهِ بِرَبّهِ وثقَتِهِ بِهِ وَفّى مَقَامَ الصبْرِ وَالثّبَاتِ وَحُسْنِ الظّنّ بِالله حَقّهُ حَتّى جَاءَهُ الْوَحْيُ بِمَا أَقَرّ عَيْنَهُ وَسَرّ قَلْبَهُ وَعَظّمَ قَدْرَهُ وَظَهَرَ لِأُمّتِهِ احْتِفَالُ رَبّهِ بِهِ وَاعْتِنَاؤُهُ بِشَأْنِهِ. (١)

٧ - ما كان حديث الإفك رمية لعائشة وحدها، إنما كان رمية للعقيدة في شخص نبيها وبانيها .. من أجل ذلك أنزل الله القرآن ليفصل في القضية ... ويكشف عن الحكمة العليا وراء ذلك كله؛ وما يعلمها إلا الله. (٢)

[ثالثا: قولهم: أما أمها فعزت أصل الأقاويل إلى ضرائرها اللاتي تآمرن عليها.]

والجواب: أن هذا كذب وسوء فهم. فإن الذي قالته أمها ليس كذلك، ولا يفهم منه هذا. وها هو الحوار بينهما: فَقُلْتُ لِأُمِّي: يَا أُمَّتَاهُ، مَاذَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي


(١) زاد العاد (٣/ ١٦٥).
(٢) تفسير الظلال (٥/ ٢٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>