بعمارة الدنيا وصلاح العالم الموصل إلى إقامة العبادات الموصلة إلى نعيم الآخرة.
ثم إن للزاني حالتين: إحداهما: أن يكون محصنًا قد تزوج فعلم ما يقع به من العفاف عن الفروج المحرمة واستغنى به عنها، وأحرز نفسه عن التعرض لحد الزنا؛ فزال عذره من جميع الوجوه في تخطي ذلك إلى مواقعة الحرام.
والثانية: أن يكون بكرًا لم يعلم ما علمه المحصن ولا عمل ما عمله فحصل له من العذر بعض ما أوجب له التخفيف فحقن دمه وزجر بإيلام جميع بدنه بأعلى أنواع الجلد ردعًا على المعاودة للاستمتاع بالحرام وبعثًا له على القنع بما رزقه اللَّه من الحلال وهذا في غاية الحكمة والمصلحة جامع للتخفيف في موضعه والتغليظ في موضعه، وأين هذا من قطع لسان الشاتم والقاذف وما فيه من الإسراف والعدوان؟
ثم إن قطع فرج الزاني فيه من تعطيل النسل وقطعه عكس مقصود الرب تعالى من تكثير الذرية وذريتهم فيما جعل لهم من أزواجهم، وفيه من المفاسد أضعاف ما يتوهم فيه من مصلحة الزجر، وفيه إخلاء جميع البدن من العقوبة، وقد حصلت جريمة الزنا بجميع أجزائه فكان من العدل أن تعمه العقوبة ثم إنه غير متصور في حق المرأة وكلاهما زانٍ، فلا بد أن يستويا في العقوبة، فكان شرع اللَّه سبحانه أكمل من اقتراح المقترحين (١).
فشُرع حد الزنا للحفاظ على المجتمعات من اختلاط للأنساب وشيوع الفساد، وللمحافظة على الجنس البشري الطاهر النقي الذي يعلم الناس الخير، ففي الزنا فسادًا عريضًا على المجتمعات ولا ينتج منه إلا الشر والفساد.
قال الرازي: الزنا اشتمل على أنواع من المفاسد:
أول: اختلاط الأنساب واشتباهها فلا يعرف الإنسان أن الولد الذي أتت به الزانية أهو منه أو من غيره فلا يقوم بتربيته ولا يستمر في تعهده، وذلك يوجب ضياع الأولاد وذلك يوجب انقطاع النسل وخراب العالم.
(١) إعلام الموقعين (١١١: ١١٠)، وقد أوردنا هذا الكلام في الرد على شبهة (حد السرقة).