للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضًا فيها أحكام ضمنية: كالإشارة إلى التوحيد والنبوة والحشر والعدل أعني المقاصد الأربعة المشهورة، مع أن في أكثر السور يكون المقصود بالذات واحدًا منها والباقي استطراديًا، فلِمَ لا يجوز أن يكون لجهة أو حُكمٍ أو مقام منها مناسبة مخصوصة لروح السورة وتكون موضوعًا للمقام! ، بل فهرسته إجمالية باعتبار تلك الجهات والمقامات؟ (١).

وبعد: فلقد جاء التكرار في القرآن الكريم محكمًا، وقد ورد فيه كثيرًا فليس فيه موضع قد أخذ عليه. دَعْ دعاوى المغالين فإن بينهم وبين القرآن تارات؛ فهم له أعداء وإذا أحسنا الفهم لكتاب الله، فإن التكرار فيه مع سلامته من المآخذ والعيوب يؤدى وظيفتين أولاهما: من الناحية الدينية. ثانيهما: من الناحية الأدبية.

فالناحية الدينية: باعتبار أن القرآن كتاب هداية وإرشاد وتشريع لا يخلو منها فن من فنونه، وأهم ما يؤديه التكرار من الناحية الدينية هو تقرير الكرر وتوكيده وإظهار العناية به؛ ليكون في السلوك أمثَل وللاعتقاد أبْيَن. أما الناحية الأدبية فإن دور التكرار فيها متعدد، وإن كان الهدف منه في جميع مواضعه يؤدى إلى تأكيد المعاني وإبرازها في معرض الوضوح والبيان. (٢)

[الوجه الخامس: التكرار في الكتاب المقدس.]

إن تكرار القرآن جاء محكمًا مؤديًا غرضه في أبلغ صورة على الإطلاق، لكن عندما ننظر إلى التكرار في الكتاب المقدس نجد شيئًا مغايرًا تمامًا.

لنبدأ بسفر الجامعة فقد تكررت فيه كلمة: (تَحْتَ الشَّمْسِ) ثلاثين مرة في السفر وبطريقة لا تمت إلى البلاغة بصلة وإليك أمثلة: (مَا الْفَائِدَةُ لِلإِنْسَانِ مِنْ كُلِّ تَعَبِهِ الَّذِي يَتْعَبُهُ تَحْتَ الشَّمْسِ. رأَيْتُ كُلَّ الأَعْمَالِ الَّتِي عُمِلَتْ تَحْتَ الشَّمْسِ وَلَا مَنْفَعَةَ تَحْتَ الشَّمْسِ ولا جديد تحت الشمس) سفر الجامعة (٢/ ٤٨٨).

وهكذا أكثر من ثلاثين مرة. وهنا لنا كلمة عن سفر الجامعة هذا وهو من الكتب الغريبة في العهد القديم، ويختلف في موضوعه وفى روحه الدينية عن بقية الأسفار ويقدم


(١) إشارات الإعجاز (١/ ٣٤).
(٢) حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين (٧٧) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>