للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن تيمية: قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وهذه مفسرة له {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}، ومن قال من السلف هي ناسخة لها، فمعناه أنها رافعة لما يظن من أن المراد من حق تقاته ما يعجز البشر عنه؛ فإن الله لم يأمر بهذا قط ومن قال إن الله أمر به فقد غلط. (١)

وقال الشيخ كمال الدين الزملكاني: وفي كون ذلك منسوخًا نظر، وقوله: {مَا اسْتَطَعْتُمْ} هو {حَقَّ تُقَاتِهِ} إذ به أمر فإن حق تقاته الوقوف على ما أمره ودينه وقد قال بذلك كثير من العلماء. (٢)

الوجه الثالث: أن قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} بمعزل مما دل عليه قوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}.

قال بعض المفسرين: إنما عنى بقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} فاتقوا الله أيها الناس وراقبوه فيما جعل فتنة لكم من أموالكم وأولادكم أن تغلبكم فتنتهم، وتصدكم عن الواجب لله عليكم من الهجرة من أرض الكفر إلى أرض الإسلام، فتتركوا الهجرة ما استطعتم، بمعنى وأنتم للهجرة مستطيعين، ومما يدل على صحة هذا أن قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} عقيب قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} ولا خلاف بين السلف من أهل العلم بتأويل القرآن أن هذه الآيات نزلت بسبب قوم كفار تأخروا عن الهجرة من دار الشرك إلى دار الإسلام بتثبيط أولادهم إياهم عن ذلك. (٣)

أما قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)} ذكر غير واحد من أهل التفسير أن الخطاب بهذه الآية يعم جميع المؤمنين، والمقصود به


(١) منهاج السنة النبوية (٥/ ٢٩٠).
(٢) الناسخ والمنسوخ لقتادة (١/ ٣٨).
(٣) الجامع لعلوم القرآن (١٨/ ١٤١ - ١٤٠)، وأيسر التفاسير (٥/ ١٦٩)، والطبري (١٤/ ١٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>