للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو جعفر: محال أن يقع في هذا ناسخ ولا منسوخ إلا على حيلة وذلك أن معنى نسخ الشيء إزالته والمجيء بضده، فمحال أن يقال: اتقوا الله منسوخ ولا سيما مع قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

فعن معاذ بن جبل، قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا معاذ أتدري ما حق الله عزَّ وجلَّ على العباد؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال: أن يعبدوه فلا يشركوا به شيئًا" (١)، أفلا ترى أنه محال أن يقع في هذا نسخ؟ والذي قلناه قول ابن عباس في الحديث السابق فهل ما ذكر في الآية واجب على المسلمين أن يستعملوه ولا يقع فيه نسخ. (٢)

فالآية محكمة وهذا مذهب طاووس وهو الصحيح لأن التقوى هي اجتناب ما نهى الله عنه ولم ينه عن شيء ولا أمر به إلا وهو داخل تحت الطاقة كم قال عز وجل: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، فالآيتان متوافقتان والتقدير اتقوا الله حق تقاته ما استطعتم. (٣)

فالتعارض الحقيقي بين الآيتين غير مسلَّم به، فإن تقوى الله حق تقاته المأمور بها في الآية هي الإتيان بما يستطيعه المكلفون من عبادة الله عز وجل دون ماخرج عن استطاعتهم، إذًا فلا تعارض بينها وبين قوله: {مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وحيث لا تعارض فلا نسخ، والتحديد بالاستطاعة ليس بيانًا للتقوى الحقيقية المطلوبة (٤)، فلا مجال للنسخ؛ لأن النسخ إنما يكون عند عدم الجمع، والجمع ممكن فهو أولى (٥)، فمن أتى ما يستطيعه من عبادته تعالى وأناب لجلاله وأخلص في أعماله وكان مشفقًا في طاعته فقد اتقى الله حق تقاته.


(١) أخرجه البخاري (٧٣٧٣)، مسلم (٣٠).
(٢) الناسخ والمنسوخ للنحاس (٢/ ١٣٠).
(٣) نواسخ القرآن لابن الجوزي (٢٤٤).
(٤) فتح المنان علي حسن العريض (٢٩٠).
(٥) محاسن التأويل (٢/ ١٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>