للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا ما ذهب إليه سعيد بن جبير وأبو العالية والربيع بن أنس وقتادة ومقاتل بن حيان وابن زيد والسدي. (١)

عن قتادة في قوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} قال: يطاع فلا يعصى ثم أنزل الله عزَّ وجلَّ التخفيف {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} فنسخت هذه الآية التي في آل عمران (٢).

قال ابن المنير: الظاهر أن قوله: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} إنما نسخ حكمه لا فضله وأجره، وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - حق تقاته بأن قال: "هو أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر" فقالوا: أينا يطيق ذلك فنزلت: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وكان التكليف أولا باستيعاب العمر بالعبادة بلا فترة ولا نعاس كما كانت الصلاة خمسين ثم صارت بحسب الاستطاعة خمسًا، والاقتدار منزل على هذا الاعتبار ولم ينحط من درجاته.

وبتعقب هذا الحديث نجد أنه لم يثبت مرفوعًا، بل هو من كلام ابن مسعود رواه النسائي وليس فيه قول الصحابة: (أينا يطيق ذلك)، ونزول قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (٣).

وقال آخرون بأن الآية: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} ليست منسوخة بل هي محكمة، وأن آية {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} مبينة لها ومفسرة لها.

عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: وقوله عزَّ وجلَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} قال: لم تنسخ ولكن حق تقاته أن تجاهدوا في الله حق جهاده ولا تأخذكم في الله لومة لائم.

وتقوموا بالقسط ولو على آبائكم وأبنائكم (٤).

وعن طاوس {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} إن لم تفعلوا ولم تستطيعوا {فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. (٥)


(١) دفع إيهام الاضطراب (٥١)، ابن كثير (٢/ ١٠٠)، ونواسخ القرآن لابن الجوزي (٢٤٢).
(٢) الناسخ والمنسوخ للنحاس (٣٠٠)، وفي إسناده محمد بن جعفر الأنباري، ذكره الخطيب ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وبقية رجاله ثقات فيهم الحسين بن محمد المروزي له أوهام.
(٣) البرهان للزركشي (٢/ ٥٨: ٥٧).
(٤) الناسخ والنسوخ للنحاس (٣٠٢)، والطبري (٣/ ٢٩).
(٥) تفسير الطبري (٣/ ٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>