فإن الأذان لو لم يكن له فضل عظيم يتأذى منه الشيطان، لم يهرب منه، فمن حصول هذا الفضل للتأذين يحصل أيضًا للمؤذن، فإنه لا يقوم إلا به.
قوله:"أدبر الشيطان": الإدبار نقيض الإقبال يقال دبر وأدبر إذا ولى والألف، واللام في الشيطان للعهد والمراد الشيطان المعهود، قوله:"له ضراط" هذا تمثيل لحال الشيطان عند هروبه من سماع الأذان؛ بحال من خرقه أمر عظيم واعتراه خطب جسيم؛ حتى لم يزل يحصل له الضراط من شدة ما هو فيه، لأن الواقع في شدة عظيمة من خوف وغيره، تسترخي مفاصله، ولا يقدر على أن يملك نفسه، فينفتح منه مخرج البول والغائط، ولما كان الشيطان لعنه الله يعتريه شدة عظيمة وداهية جسيمة عند النداء إلى الصلاة؛ فيهرب حتى لا يسمع الأذان.
شبه حاله بحال ذلك الرجل، وأثبت له على وجه الادعاء الضراط الذي ينشأ من كمال الخوف الشديد، وفي الحقيقة ما ثم ضراط ولكن يجوز أن يكون له ريح لأنه روح ولكن لم تعرف كيفيته. (١)
[الوجه الثاني: الحكمة من إدبار الشيطان من الأذان.]
والعلة والحكمة من إدبار الشيطان؛ بينها لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي معنا وهو قوله:"حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ".
قال ابن حجر: قَوْله: "حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِين" ظَاهِره أنَّهُ يَتَعَمَّد إِخْرَاجَ ذَلِكَ: