للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحق اللجوء هو المعروف شرعًا بالهجرة، والتي كانت سنة الأنبياء مع أقوامهم وأممهم، فما منهم إلا وقد أوذي وأخرج من وطنه وكانت هجرة المسلمين إلى الحبشة في المرة الأولى، والثانية أول إقرار شرعي لحق المدينة، لشدة ما لاقوه من إيذاء المشركين بمكة وأملًا في إقامة الدولة الإسلامية، والمجتمع الإسلامي في المدينة. (١)

[وجوب الهجرة]

ويوجب القرآن على المؤمنين الخروج من دار يضطهدون فيها ولا يستطيعون إظهار شعائرهم إلى دار يأمنون فيها على دينهم وأنفسهم وأموالهم، ويعد القعود عن ذلك تقصير إذ يترتب عليه كفر بعد إيمان مما يكون سببا للنار في الآخرة فيكون الإنسان بذلك خاسرًا للدنيا والآخرة، خسر الدنيا بركونه إلى الذل والضعة وخسر الآخرة بعدم هجرته إلى أرض يستطيع فيها القيام بشعائر دينه قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (٩٧) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (٩٨) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: ٩٧ - ٩٩]. (٢)

وقد أثنى الله -عز وجل- على المهاجرين فقال -عز وجل-: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨)} [الحشر: ٨].

ثم أثنى الله -عز وجل- على الأنصار الذين استقبلوا المهاجرين وأحسنوا وفادتهم وإقامتهم فقال -عز وجل-: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩)} [الحشر: ٩].

وبقي وجوب الهجرة حتى فتح الله مكة المكرمة، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا هجرة بعد


(١) حقوق الإنسان في الإسلام، تأليف: محمد الزحيلي (ص ٣٣٣).
(٢) حقوق الإنسان بين هدي الرحمن واجتهاد الإنسان، محمد أحمد محمد فرج عطية ص ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>