للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشتملت هذه الآية الكريمة -على إيجازها واختصارها- على أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، واشتملت على الإيمان بجميع الرسل، وجميع الكتب، وعلى التخصيص -الدال على الفضل- بعد التعميم، وعلى التصديق بالقلب واللسان والجوارح والإخلاص لله في ذلك، وعلى الفرق بين الرسل الصادقين، ومن ادعى النبوة من الكاذبين، وعلى تعليم الباري عباده، كيف يقولون، ورحمته وإحسانه عليهم بالنعم الدينية المتصلة بسعادة الدنيا والآخرة، فسبحان من جعل كتابه تبيانًا لكل شيء، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون. (١)

الدليل السادس عشر: إذا كان إلها فكيف يطلب العون من الحواريين وفيه أن عيسى يقول من أنصاري إلى الله؟ فكيف يكون هو الله؟ قال تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَال مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَال الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران: ٥٢). وقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَال عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَال الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} (الصف: ١٤).

أي إنه لما رأى منهم عدم الانقياد له، وقالوا هذا سحر مبين، وهموا بقتله وسعوا في ذلك {قَال مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} من يعاونني ويقوم معي بنصرة في ين الله (٢). وقال مجاهد: أي من يتبعني إلى الله، والظاهر أنه أراد من أنصاري في الدعوة إلى الله؟ كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في مواسم الحج قبل أن يهاجر: "مَنْ رَجُل يُؤْوِيني عَلى أن أبلغ كلامَ رَبِّي، فإنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أنْ أُبَلِّغَ كَلامَ رَبِّي" (٣) حتى وجد الأنصار فآووه، ونصروه، وهاجر إليهم؛ فآسوه، ومنعوه من الأسود والأحمر. وهكذا عيسى ابن مريم، انْتدَبَ له طائفة من بني إسرائيل؛ فآمنوا به،


(١) تفسير السعدي ١/ ٦٧.
(٢) تفسير السعدي ١/ ١٣١.
(٣) رواه أحمد في المسند (٣/ ٣٢٢) من حديث جابر - رضي الله عنه -، وصححه الألباني في الصحيحة (١٩٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>