للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي يؤكد ذلك قوله تعالى للمسيح {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} (المائدة: ١١٦)، فقوله {ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} أي أحد ثلاثة آلهة، أو واحد من ثلاثة آلهة، والدليل على أن المراد ذلك قوله تعالى في الرد عليهم {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} وعلى هذا التقدير ففي الآية إضمار، إلا أنه حذف ذكر الآلهة لأن ذلك معلوم من مذاهبهم، قال الواحدي ولا يكفر من يقول: إن الله ثالث ثلاثة إذا لم يرد به ثالث ثلاثة آلهة، فإنه ما من شيئين إلا والله ثالثهما بالعلم، لقوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} (المجادلة: ٧).

والطريق الثاني: أن المتكلمين حكوا عن النصارى أنهم يقولون: جوهر واحد وثلاثة أقانيم -أب، وابن، وروح القدس- وهذه الثلاثة إله واحد، كما أن الشمس اسم يتناول القرص والشعاع والحرارة، وعنوا بالأب الذات، وبالابن الكلمة، وبالروح الحياة، وأثبتوا الذات والكلمة والحياة، وقالوا: إن الكلمة -التي هي كلام الله- اختلطت بجسد عيسى اختلاط الماء بالخمر، واختلاط الماء باللبن، وزعموا أن الأب إله، والابن إله، والروح إله، والكل إله واحد. واعلم أن هذا معلوم البطلان ببديهة العقل، فإن الثلاثة لا تكون واحدًا، والواحد لا يكون ثلاثة، ولا يرى في الدنيا مقالة أشد فسادًا وأظهر بطلانًا من مقالة النصارى. (١)

قلت: والقرص والشعاع والحرارة ثلاثة أوصاف لذات واحدة، ومن الممكن أن نعد للشمس أكثر من ثلاثة أوصاف؛ فنقول مثلًا: والبعد والغروب والشروق والجمال والروعة وحجمها كذا ووزنها حوالي كذا ... إلخ، فهذه كلها أوصاف لذات واحدة، أما ما يذكره النصارى، فإنها ثلاثة ذوات مختلفة، يريدون أن يجعلوها ذاتا واحدة، وهذا باطل ببداهة العقل.

الدليل السادس: وفيه قصر دور المسيح على الرسالة والاستدلال على ذلك ببعض


(١) التفسير الكبير (١٢/ ٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>