الأحوال مثل أكل الطعام الذي يلزم منه الإخراج في الدنيا، قال تعالى:{مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}(المائدة: ٧٥).
قال الرازي: أي ما هو إلا رسول من جنس الرسل، الذين خلوا من قبله، جاء بآيات من الله كما أتوا بأمثالها؛ فإن كان الله أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى على يده؛ فقد أحيا العصا وجعلها حية تسعى، وفلق البحر على يد موسى، وإن كان خلقه من غير ذكر؛ فقد خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى.
قوله تعالى:{وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} وفي تفسير ذلك وجوه:
أحدها: أنها صدقت بآيات ربها وبكل ما أخبر عنه ولدها، قال تعالى في صفتها {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ}(التحريم: ١٢).
وثانيها: أنه تعالى قال: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا}(مريم: ١٧)، فلما كلمها جبريل وصدقته وقع عليها اسم الصديقة.
وثالثها: أن المراد بكونها صديقة -غاية بعدها عن المعاصي وشدة جدها واجتهادها في إقامة مراسم العبودية؟ فإن الكامل في هذه الصفة يسمى صديقًا، قال تعالى:{فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ}(النساء: ٦٩). ثم قال تعالى:{كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} اعلم أن المقصود من ذلك: الاستدلال على فساد قول النصارى، وبيانه من وجوه:
الأول: أن كل من كان له أم؛ فقد حدث بعد أن لم يكن، وكل من كان كذلك، كان مخلوقًا لا إلهًا.
والثاني: أنهما كانا محتاجين؛ لأنهما كانا محتاجين إلى الطعام أشد الحاجة، والإله هو الذي يكون غنيًّا عن جميع الأشياء، فكيف يعقل أن يكون إلهًا؟ .