للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمهور وثلاثمائة سراري، وقيل بالعكس ثلاثمائة حرائر وسبعمائة من الإماء -، وقد كان يطيق من التمتع بالنساء أمرًا عظيمًا جدًّا.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال سليمان بن داود - عليه السلام -: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تحمل كل امرأة فارسًا يجاهد في سبيل الله فقال له صاحبه: إن شاء الله فلم يقل فلم تحمل شيئًا إلا واحدًا ساقطًا أحد شقيه؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لو قالها لجاهدوا في سبيل الله". (١)

[الوجه الثاني: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.]

نقول وما المانع إذا كان الله قد علم سليمان بعض الأشياء التي غابت عن أبيه داود ولا يعني ذلك تفضيل سليمان على داود عليهما السلام فما زال الصغير يستدرك على الكبير وما يزال المفضول يقف على ما لم يقف عليه الفاضل ولا يعني هذا أنه أفضل منه، ثم إن القضية التي حكم فيها داود وسليمان من الأمور الاجتهادية التي يجتهد فيها البشر.

وعندنا في الإسلام كما ورد في السنة من هذا القبيل الشيء الكثير، منها أن عمر - رضي الله عنه - كان يدخل ابن عباس وهو صغير في مجالس الكبار من مشايخ الصحابة وأحب عمر - رضي الله عنه - أن يثبت لهم، فسألهم مرة عن تفسير قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} (سورة النصر).

فقال ابن عباس: القول الصحيح فيها بأنه أجل النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلمه الله إياه، وصوبه عمر - رضي الله عنه -، والأمثلة على ذلك كثيرة، ثم إن سليمان - عليه السلام - كان نبيًا مثل أبيه، وقال الله تعالى عنه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: ١٥, ١٦].

وقد قرر العلماء أن الصحيح أن ميراث سليمان من أبيه كان ميراث النبوة وليس ميراث المال. ثم إن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، وما المانع أن يرجع النبي داود إلى الحق والصواب متى استبان له ذلك فليس هذا فيه أدنى طعن في النبي داود - عليه السلام -.


(١) أخرجه البخاري (٢٦٦٤)، ومسلم (١٦٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>