للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن هذا عند ابتداء النفخة الثانية وذلك بعد ذلك (١).

[الوجه السادس: إذا وصل الإنسان لدرجة معينة من الخوف ربما لا يستطع أن يتكلم من هول ما يراه.]

فالكافر يصاب بذلك، وللخوف درجات، أما المؤمن فلا يصاب بذلك.

قال النسفي: ولا يكون التواصل بينهم بالأنساب إذ يفر المرء من أخيه، وأمه، وأبيه، وصاحبته، وبنيه، وإنما يكون بالأعمال ولا يتساءلون سؤال تواصل كما كانوا يتساءلون في الدنيا؛ لأن كلًّا مشغولٌ عن سؤال صاحبه بحاله ولا تناقض بين هذا وبين قوله: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٢٧)} فللقيامة مواطن، ففي موطن يشتد عليهم الخوف فلا يتساءلون، وفي موطن يفيقون فيتساءلون (٢).

الوجه السابع: المشركون لما رأوا ما يتجاوز اللَّه عن أهل التوحيد كتموا شركهم فلا يتكلمون، ثم يختم اللَّه على أفواههم فتتكلم جوارحهم.

عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه-: وأما قوله: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} وقوله: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} فإن اللَّه تبارك وتعالى يغفر يوم القيامة لأهل الإخلاص ذنوبهم، ولا يتعاظم عليه ذنب أن يغفره، ولا يغفر الشوك، فلما رأى المشركون ذلك قالوا: إن ربنا يغفر الذنوب ولا يغفر الشوك، فتعالوا نقول: إنا كنا أهل ذنوب ولم نكن مشركين. فقال اللَّه تعالى: "أما إذ كتمتم الشرك فاختموا على أفواههم"، فيختم على أفواههم فتنطق أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون، فعند ذلك عرف المشركون أن اللَّه لا يُكتم حديثًا، فذلك قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (٤٢)} (٣).


(١) إرشاد العقل السليم ٦/ ١٥١؛ في قوله تعالى: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}.
(٢) مدارك التنزيل ٣/ ١٣١ (المؤمنون: ١٠٨ - ١٠٠).
(٣) سبق تخريجه قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>