للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنسان حيوان ناطق، فكيف ينطبق ذلك عليه أثناء وجوده في بطن أمه؟ فهو لا يتكلم ولا يتساءل، ثم إذا خرج من بطن أمه لا نسمع منه إلا الصراخ، فلا يستطع أن يعبر عما يشكو منه، هل هو جوع، أم مرض، أم خوف؟ ويظل هكذا حتى يتعلم النطق رويدًا رويدًا، وربما كان أبكم لا يتكلم! فهل هذا يعتبر خرقًا لقاعدة: أن الإنسان حيوان ناطق؟ أم أن هذا يُحمل على محمل أن غالبية الجنس البشري ينطق ويتكلم؟ والعجيب أنه ربما كان إنسان يتكلم وينطق فتحدث له مصيبة من مصائب الدنيا فيفقد النطق (إما لصدمة عصبية أو لخلل عضوي)، فنفاجأ بأنه كان يتكلم فأصبح لا يتكلم، وكان يتساءل تساؤلات تنفعه فأصبح لا يتساءل! وربما صرف اللَّه عنه هذه المصيبة فرجع مرة أخرى يتكلم ويتساءل، وكل هذا في فترة زمنية (فترة حياته إما ستون سنة أو أقل أو أكثر) لا تقارن بالمدة التي يقضيها في يوم القيامة.

فإذا قمنا بإحصائيات على مستوى العالم: كم من البشر يتكلمون؟ وكم منهم لا يتكلمون؟ نجد أن العدد الأكبر يتكلمون، وأيضًا هناك عدد كبير لا يتكلمون سواء كانوا أطفالًا رضع أو كانوا بكمًا، هذا في الدنيا فلا نستبعد في الآخرة أن السعداء يتكلمون ويحدث بعضهم بعضًا حديثًا رقراقًا جميلًا، والأشقياء تحدث لهم أحوالٌ متغايرة من كلام وعدم كلام؛ وهذا دليل على شدة الإرتباك والحيرة التي يَمُرُّ الكافر بها يوم القيامة، وأن أحواله تتغير يوم القيامة من سوء لأسوء كما كان قلبه يتقلب في أوحال الكفر في الدنيا؛ قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠)} (الأنعام: ١١٠).

قال أبو السعود: {فَلَا أَنْسَابَ} بينهم تنفعهم لزوال الزاحم والتعاطف من فرط الحيرة واستيلاء الدهشة؛ بحيث يفر المرء من أخيه، وأمه، وأبيه، وصاحبته، وبنيه، أو لا أنساب يفتخرون بها يومئذ كما هي بينهم اليوم {وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} أي: لا يسأل بعضهم بعضًا لاشتغال كل منهم بنفسه ولا يناقضه قوله تعالى فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون؛

<<  <  ج: ص:  >  >>