للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الجملة إنه إمام عدل غير معاند ولا طاعن في التنزيل، ولم يحرق إلا ما يجب إحراقه (١).

الوجه الثاني: عثمان - رضي الله عنه - ما فعل هذا من رأيه مجردًا؛ بل استشار أولا.

لم يفعل ما فعل من هذا الأمر الجلل إلا بعد أن استشار الصحابة واكتسب موافقتهم؛ بل وظفر بمعاونتهم وتأييدهم وشكرهم.

عن العيزار بن جرول الحضرمي قال: لما خرج المختار كنا هذا الحي من حضرموت أول من تسرع إليه، فأتانا سويد بن غفلة الجعفي فقال: إن لكم عليَّ حقًا، وإن لكم قرابة، والله لا أحدثكم اليوم إلا شيئًا سمعته من المختار، أقبلت من مكة وإني لأسير، إذ غمزني غامز من خلفي، فإذا المختار فقال لي: يا شيخ ما بقي في قلبك من حب ذلك الرجل - يعني عليًا -؟ ، قلت: إني أشهد الله أني أحبه بسمعي وقلبي وبصري ولساني. قال: ولكني أشهد الله أني أبغضه بقلبي وسمعي وبصري ولساني. قال: قلت: أبيت والله إلا تثبيطًا عن آل محمد - صلى الله عليه وسلم -، وترثيثًا في إحراق المصاحف، (أو قال حراق، هو أحدهما يشك أبو داود)، فقال سويد: والله لا أحدثكم إلا شيئًا سمعته من علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - سمعته يقول: "يا أيها الناس لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرًا (أو قولوا له خيرًا) في المصاحف وإحراق المصاحف، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا جميعًا، فقال: ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد أن يكون كفرًا، قلنا: فما ترى؟ قال: نرى أن نجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة، ولا يكون اختلاف، قلنا: فنعم ما رأيت. قال: فقيل: أي الناس أفصح، وأي الناس أقرأ؟ قالوا: أفصح الناس سعيد بن العاص، وأقرأهم زيد بن ثابت، فقال: ليكتب أحدهما ويمل الآخر، ففعلا وجمع الناس على مصحف" قال: قال علي: والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل (٢).


(١) المصدر السابق ١/ ٢٤٠.
(٢) أخرجه ابن أبي داود في المصاحف (٧٧)، وأخرجه البيهقي في سننه ٢/ ٤٢ من طرق عن محمد بن أبان عن علقمة بن مرثد عن العيزار بن جرول به. وصحح إسناده ابن حجر في الفتح ٦/ ٦٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>