للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ (١).

قال الجعبري: ونزل تحريقه ما سواها على مصاحف الصحابة - رضي الله عنهم -؛ لأنَّهم كانوا يكتبون فيها التفسير الذي يسمعونه من النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، ويحتمل ذلك نحو الرقاع؛ لئلا ينقلها من لا يعرف ترتيبها، فيختلَّ، لا الصحف، لاحتمال الرجوع إليها. (٢)

والمصاحف التي أحرقها فيها أشياء من منسوخ التلاوة وقد أبقاه بعض الصحابة، وترتيب السور على غير الترتيب الذي في العرضة الأخيرة التي عرضها جبريل - عليه السلام - على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي بعض المصاحف تفسيرات لبعض الصحابة؛ لذلك أمر عثمان بإحراق تلك المصاحف، وكتب المصحف الوحيد وفيه القراءات، ولم يلغ القراءات الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (٣).

قال الزركشي: ولقد وفق لأمر عظيم، ورفع الاختلاف، وجمع الكلمة، وأراح الأمة (٤). والمصاحف التي حرقها عثمان هي مصاحف قد أودعت ما لا يحل قراءته (٥).


(١) البخاري (٤٩٨٧).
قال ابن حجر فتح الباري ٨/ ٦٣٧: فِي رِوَايَة الْأَكْثَر "أَنْ يُخْرَق" بِالْخَاءِ المُعْجَمَة، وَللْمَرْوَزِيّ بِالمُهْمَلَةِ وَرَوَاهُ الْأَصِيليّ بِالْوَجْهَيْنِ، وَالْمُعْجَمَة أَثْبَت. وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيليّ "أَنْ تُمْحَى أَوْ تُحْرَق" وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة شُعَيْب عِنْد ابْن أَبِي دَاوُدَ وَالطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرهمَا "وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُحَرِّقُوا كُلّ مُصْحَف يُخَالِف الْمُصْحَف الَّذِي أَرْسَلَ بِهِ، قَالَ: فَذَلِكَ زَمَان حُرِّقَتْ الْمَصَاحِف بِالْعِرَاقِ بِالنَّارِ" وَفِي رِوَايَة سُوَيْد بْن غَفَلَةَ عَنْ عِليّ قَالَ: "لَا تَقُولُوا لِعُثْمَان فِي إِحْرَاق الْمَصَاحِف إِلَّا خَيْرًا" وَفِي رِوَايَة بُكَيْر بْن الْأَشَجّ "فَأَمَرَ بِجَمْعِ الْمَصَاحِف فَأَحْرَقَهَا، ثُمَّ بَثَّ فِي الْأَجْنَاد الَّتِي كَتَبَ" وَمنْ طَرِيق مُصْعَب بْن سَعْد قَالَ: "أَدْرَكْت النَّاس مُتَوَافِرِينَ حِين حَرَّقَ عُثْمَان الْمَصَاحِف، فَأَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ - أَوْ قَالَ - لَمْ يُنْكِر ذَلِكَ مِنْهُمْ أَحَد" وِفي رِوَايَة أَبِي قِلَابَةَ "فَلَمّا فَرَغَ عُثْمَان مِنْ الْمُصْحَف كَتَبَ إِلَى أَهْل الْأَمْصَار: إِنِّي قَدْ صَنَعْت كَذَا وَكَذَا وَمَحَوْت مَا عِنْدِي، فَامْحُوا مَا عِنْدكُمْ" وَالْمَحْو أَعَمّ مِنْ أَنْ يَكُون بِالْغَسْلِ أَوْ التَّحْرِيق، وَأَكْثَر الرِّوَايَات صَرِيح فِي التَّحْرِيق فَهُوَ الَّذِي وَقَعَ، وَيَحْتَمِل وُقُوع كُلّ مِنْهُما بِحَسَبِ مَا رَأَى مَنْ كَانَ بِيَدِهِ شَيْء مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ جَزَمَ عِيَاض بِأَنَّهُمْ غَسَلُوهَا بِالْمَاءِ ثُمَّ أَحْرَقُوهَا مُبَالَغَة فِي إِذْهَابهَا.
(٢) جمع القرآن في مراحله التاريخية من العصر النبوي إلى العصر الحديث: محمد شرعي أبو زيد ١/ ١٦٤.
(٣) مجلة الراصد ١ - ٣٥.
(٤) البرهان في علوم القرآن ١/ ٢٣٩.
(٥) المصدر السابق ١/ ٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>