وليس معنى ذلك أن الشرائع تختلف اختلافًا كليًا، فالناظر في الشرائع يجد أنها متفقة في المسائل الأساسية، وقد سبق ذكر ذلك في الأهداف العامة للرسالات وإنما الاختلاف يكون في بعض التفاصيل (الفروع) فأعداد الصلوات وشروطها وأركانها ومقادير الزكاة ومواضع النسك ونحو ذلك قد تختلف من شريعة إلى شريعة وقد يحل الله أمرًا في شريعة لحكمة ويحرمه في شريعة أخرى لحكمة، وهذه بعض الأمثلة:
أولًا: الصلاة
فكانت معروفة عند الرسل السابقين وأتباعهم كما قال الله تعالى بعد ذكر الحديث عن إبراهيم - عليه السلام -، وأن الله وهب له إسحاق ويعقوب، قال سبحانه:{وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}[الأنبياء: ٧٣]، ولذا قال إبراهيم - عليه السلام - كما قال الله تعالى: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (٤٠)} [إبراهيم: ٤٠]. وفي حق شعيب - عليه السلام - حيث قال له قومه كما قال سبحانه:{قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا}[هود: ٨٧]. وفي حق إسماعيل - عليه السلام - حيث قال سبحانه:{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ}[مريم: ٥٥]. وموسى - عليه السلام - حيث قال الله تعالى:{فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}[طه: ١٤]. وعيسى - عليه السلام - حيث قال الله سبحانه على لسان عيسى - عليه السلام -: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا}[مريم: ٣١]. وفي حق زكريا - عليه السلام - قال الله سبحانه:{فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ}[آل عمران: ٣٩].
فالصلاة كانت معروفة عند إبراهيم - عليه السلام -: (فَصَلَّى إِبْرَاهِيمُ إِلَى الله، فَشَفَى الله أَبِيمَالِكَ وَامْرَأَتَهُ وَجَوَارِيَهُ فَوَلَدْنَ.) تكوين (٢٠/ ١٧).
وإسحاق - عليه السلام -: (وَصَلَّى إِسْحَاقُ إِلَى الرَّبِّ لأَجْلِ امْرَأَتِهِ لأَنَّهَا كَانَتْ عَاقِرًا، فَاسْتَجَابَ لَهُ الرَّبُّ، فَحَبِلَتْ) تكوين (٢٥/ ٢١).
موسى - عليه السلام -: (فَخَرَجَ مُوسَى مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ وَصَلَّى إِلَى الرَّبِّ) خروج (١٠/ ١٨).