للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلف القائلون بِهذا القول في السور التي جاء ترتيبها عن توقيف، والسور التي جاء ترتيبها عن اجتهاد:

فقال القاضي أبو محمد بن عطية: إن كثيرًا من السور قد علم ترتيبها في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - كالسبع الطوال، والحواميم، والمفصل. وأنّ ما سوى ذلك يمكن أن يكون قد فوض الأمر فيه إلى الأمة بعده.

وقال أبو جعفر بن الزبير: الآثار تشهد بأكثر مِمَّا نصَّ عليه ابن عطية، ويبقى منها قليلٌ يُمكن أن يجري فيها الخلاف، واحتج بأحاديث منها: حديث عبد الله بن مسعود، وحديث عبد الله بن عباس السابقة في أدلة القول الأول. (١)

قال ابن حجر: ترتيب بعض السور على بعض، أو معظمها لا يمتنع أن يكون توقيفيًّا، وإن كان بعضه من اجتهاد بعض الصحابة، واحتج بحديث ابن عباس السابق.

[الوجه الثاني: الجمع بين الأقوال.]

قال الزركشي: والذي يمال إلى ترجيحه هو القول الثاني القائل بأن ترتيب سور الكتاب العزيز كلها توقيفيٌّ، بما سبق من الأدلة عند حكاية هذا القول.

أما أدلة الفريق القائل بأن ترتيب السور اجتهادي فمردودة بما يأتي:

١ - أما دعواهم أنه لو كان ترتيب السور بتوقيف من النبي - صلى الله عليه وسلم - لظهر وفشا ونقل مثله، وأن في العلم بعدم ذلك النقل دليلًا على عدم التوقيف، فيجاب بأن عدم النقل ليس دليلًا على عدم وجود النص؛ بل إن إجماع الصحابة على هذا الترتيب دليلٌ على وجود النص بالتوقيف؛ لأنهم لا يُجمعون على خلاف السنة.

٢ - أما حديث ابن عباس عن عثمان. (٢)

وهو أقوى حججهم، فهو أوهاها إذا نظر إليه بعين التمحيص، ففيه ضعف لا يُنكر سندًا، وفيه الرد على شبهتهم متنًا:


(١) الإتقان (١/ ١٧٧)
(٢) وقد سبق قريبًا، وفيه قوله: قُلْتُ لِعُثْمَانَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى سُورَةِ الأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي، وَإِلَى سُورَةِ برَاءةٌ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الْرَّحِيمِ فَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>