للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واقعًا، لزم منه المحال الفلاني فكذا هاهنا. ولو فرضنا وقوع هذا الشك فارجع إلى التوراة والإنجيل؛ لتعرف بهما أن هذا الشك زائل، وهذه الشبهة باطلة. (١)

الوجه الثالث عشر أن هذا الخطاب ليس للنبي - صلى الله عليه وسلم - أصلًا.

تقريره أن الناس في زمانه كانوا فرقًا ثلاثة، المصدقون به، والمكذبون له، والمتوقفون في أمره الشاكون فيه، فخاطبهم الله تعالى بهذا الخطاب فقال: إن كنت أيها الإنسان في شك مما أنزلنا إليك من الهدى على لسان محمد، فاسأل أهل الكتاب ليدلوك على صحة نبوته، وإنما وحد الله تعالى ذلك وهو يريد الجمع، كما في قوله: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ} (الإنفطار: ٦، ٧) و {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ}.

وقوله: {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ} (الزمر: ٤٩) ولم يرد في جميع هذه الآيات إنسانًا بعينه، بل المراد هو الجماعة فكذا هاهنا. ولما ذكر الله تعالى لهم ما يزيل ذلك الشك عنهم، حذرهم من أن يلحقوا بالقسم الثاني، وهم المكذبون. فقال: {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. (٢)

[الوجه الرابع عشر: أن هذه الآية من الحجج التي يحتج بها على اليهود والنصاري.]

وتقرير ذلك أنها لم تأت للدلالة على وقوع الشك، ولا على وقوع السؤال، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن شاكًّا، ولا سأل أحدًا منهم، ولكن المقصود بيان أن أهل الكتاب عندهم من الأدلة والبراهين ما يؤيدك، ويصدقك فيما كذبك فيه الكافرون.

كما قال الله تعالى في آية أخرى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (٤٣) وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٩٧) وقال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا


(١) المصدر السابق.
(٢) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>