للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بألا يشعروا، وقد قيل: إن تبسم سليمان سرور بهذه الكلمة منها، ولذلك أكد التبسم بقوله: {ضَاحِكًا} إذ قد يكون التبسم من غير ضحك ولا رضا، ألا تراهم يقولون: تبسم تبسم الغضبان، وتبسم تبسم المستهزئين، وتبسُّمُ الضحكِ إنما هو عن سرور، ولا يسر نبى بأمر دنيا، وإنما سُر بما كان من أمر الآخرة والدين.

وقولها: {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} إشارة إلى الدين والعدل والرأفة، ونظير قوله النملة في جند سليمان {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} قوله الله تعالى في جند محمد - صلى الله عليه وسلم -: {فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} التفاتًا إلى أنهم لا يقصدون هدر مؤمن (١).

[الوجه الثالث: منطق الطير.]

وفيه مسائل:

أولًا: أقوال المفسرين:

الآية صريحة الدلالة على أن سليمان وأباه عَلما منطق الطير {وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} وقوله: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} يعني أنه - عليه السلام - كان يعرف ما يتخاطب به الطيور بلغاتها ويعبر للناس عن مقاصدها وإرادتها (٢)، وسمي صوت الطير منطقًا لحصول الفهم منه، كما يفهم من كلام الناس (٣).

وسليمان يدعو الناس إلى التصديق بذكر المعجزة التي هي علم منطق الطير، وغير ذلك مما أوتيه من عظائم الأمور. والمنطق: كل ما يصوت به من المفرد والمؤلف، المفيد وغير المفيد. وقد ترجم يعقوب بن السكيت كتابه بـ (إصلاح المنطق) وما أصلح فيه إلا مفردات الكلم، وقالت العرب: نطقت الحمامة، وكل صنف من الطير يتفاهم أصواته، والذي علمه سليمان من منطق الطير: هو ما يفهم بعضه من بعض من معانيه وأغراضه (٤).


(١) تفسير القرطبي (١٣/ ١٨٠).
(٢) قصص الأنبياء (٢/ ٢٨٦).
(٣) تفسير البغوي (١٩/ ٤٠٩).
(٤) الكشاف للزمخشري (٣/ ٣٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>