للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و {مَنْطِقَ الطَّيْرِ} استعارة لما يسمع منها من الأصوات، وهو حقيقة في بني آدم، لما كان سليمان يفهم منه ما يفهم من كلام بني آدم، كما يفهم بعض الطير من بعض، أطلق عليه منطق (١)، وكلام الطير كالمنطق إذا فهم (٢)، ولا اختلاف عند العلماء أن الحيوانات كلها لها أفهام وعقول، وقد قال الشافعي: الحمام أعقل الطير.

قال ابن عطية: والنمل حيوان فطن قويّ شمام جدًّا يدخر القِرى، ويشق الحب بقطعتين لئلا ينبت، ويشق الكزبرة بأربع قطع لأنها تنبت إذا قسمت شقين، ويأكل في عامه نصف ما جمع، ويستبقي سائره عُدَّة (٣).

قال ابن العربي: وهذه خواص العلوم عندنا، وقد أدركتها النمل بخلق الله ذلك لها (٤).

ولا يبعد أن تدرك البهائم حدوث العالم وحدوث المخلوقات، ووحدانية الإله، ولكننا لا نفهم عنها ولا تفهم عنا، أما أنا نطلبها وهي تفر منا فبحكم الجنسية (٥).

ثم تأمل الحكمة البالغة في إعطائه سبحانه بهيمة الأنعام: الأسماع والأبصار ليتم تناولها لمصالحها ويكمل انتفاع الإنسان بها، إذ لو كانت عمياء أو صماء لم يتمكن من الانتفاع بها، ثم سلبها العقول على كبر خلقها التي للإنسان ليتم تسخيره إياها فيقودها ويصرفها حيث شاء، ولو أعطيت العقول على كبر خلقها لامتنعت من طاعته واستعصت عليه ولم تكن مسخرة له، فأُعطيت من التمييز والإدراك ما تتم به مصلحتها ومصلحة من ذلك له، وسلبت من الذهن والعقل ما ميز به عليها الإنسان، وليظهر أيضًا فضيلة التمييز والاختصاص، ثم تأمل كيف قادها وذللها على كبر أجسامها، ولم يكن يطيقها لولا تسخيره، قال الله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ


(١) البحر المحيط (٧/ ٥٨).
(٢) زاد المسير (٦/ ١٥٩).
(٣) المحرر الوجيز (٤/ ٢٥٣).
(٤) أحكام القرآن لابن العربي (٣/ ١٤٩).
(٥) تفسير القرطبي (١٣/ ١٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>