للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك الأدنى للأعلى منه، وفي شيء يعلم أنه مستطاع للمسؤول، فقرينة الكناية تحقّقُ المسؤول أنّ السائل يعلم استطاعته.

ومنه ما جاء في حديث يحيى المازني "أنّ رجلًا قال لعبد الله بن زيد: أتستطيع أن تريني كيف كان رسول الله يتوضّأ". فإنّ السائل يعلم أنّ عبد الله بن زيد لا يشقّ عليه ذلك. فليس قول الحواريين المحكي بهذا اللفظ في القرآن إلّا لفظًا من لغتهم يدلّ على التلطّف والتأدّب في السؤال، كما هو مناسب أهل الإيمان الخالص. وليس شكًّا في قدرة الله تعالى ولكنّهم سألوا آية لزيادة اطمئنان قلوبهم بالإيمان بأن ينتقلوا من الدليل العقلي إلى الدليل المحسوس. فإنّ النفوس بالمحسوس آنس. (١)

الدليل الثالث والعشرون: وفيه الرد على النصاري في ادعاء الألوهية والتثليث صراحة.

قال تعالى: {وَإِذْ قَال اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَال سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (المائدة: ١١٦ - ١١٧).

وهذا مما يخاطب الله تعالى به عبده ورسوله عيسى بن مريم -عليه السلام- قائلًا له يوم القيامة بحضرة من اتخذه وأمه إلهين من دون الله: {وَإِذْ قَال اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، وهذا تهديد للنصارى وتوبيخ وتقريع على رؤوس الأشهاد.

وهذا هو أحد الوجهين في الآية، والثَّاني أن هذا السؤال في الدنيا والأول أظهر. (٢)

وهذا التوبيخ للنصارى الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، فيقول الله هذا الكلام لعيسى.

فيتبرأ عيسى ويقول: {سُبْحَانَكَ} عن هذا الكلام القبيح، وعمّا لا يليق بك، {مَا


(١) التحرير والتنوير ١/ ١٢٣٣.
(٢) تفسير ابن كثير (المائدة: ١١٦) بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>