للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للشك فيما رُوي عن أهل السير موافقًا له، ويقطع دابر الخلاف عند اختلاف الروايات. (١)

[الوجه الثاني: سبب الاختلاف في المكي والمدني.]

قال القاضي أبو بكر بن العربي: إنما يُرجع في معرفة المكي والمدني إلى حفظ الصحابة والتابعين، وكما أنه لا بد في العادة من معرفة معظِّمي العالِم والخطيب، وأهل الحرص على حفظ كلامه ومعرفة كتبه ومصنفاته من أن يعرفوا ما صنفه أولًا وآخرًا، وحال القرآن في ذلك أمثل والحرص عليه أشد، غير أنه لم يكن من النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك قول ولا ورد عنه أنه قال: اعلموا أن قدر ما نزل بمكة كذا، وبالمدينة كذا وفصَّله لهم، ولو كان ذلك منه لظهر وانتشر؛ وإنما لم يفعله لأنه لم يؤمر به، ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمة، وإن وجب في بعضه على أهل العلم معرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ، ليعرف الحكم الذي تضمنهما فقد يعرف ذلك بغير نص الرسول بعينه، وقوله هذا هو الأول المكي، وهذا هو الآخر المدني، وكذلك الصحابة والتابعون من بعدهم لما لم يعتبروا أن من فرائض الدين تفصيل جميع المكي والمدني مما لا يسوغ الجهل به لم تتوفر الدواعي على إخبارهم به ومواصلة ذكره على أسماعهم وأخذهم بمعرفته.

وإذا كان كذلك ساغ أن يختلف في بعض القرآن هل هو مكي أو مدني، وأن يعملوا في القول بذلك ضربًا من الرأي والاجتهاد، وحينئذ فلم يلزم النقل عنهم ذكر المكي والمدني، ولم يجب على من دخل في الإسلام بعد الهجرة أن يعرف كل آية أنزلت قبل إسلامه: مكية أو مدنية، فيجوز أن يقف في ذلك أو يغلب على ظنه أحد الأمرين، وإذا كان كذلك بطل ما توهموه من وجوب نقل هذا أو شهرته في الناس، ولزوم العلم به لهم ووجوب ارتفاع الخلاف فيه. (٢)

فمما سبق يتبين أن سبب الاختلاف هو:

١ - أنه لم يرد نص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تحديد ذلك.


(١) مباحث في علوم القرآن (١/ ٥٥).
(٢) البرهان (١/ ١٩٢: ١٩١) نقلًا عن ابن العربي في "الانتصار".

<<  <  ج: ص:  >  >>