للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحافظة على السنة ونشرها وتبليغها صحيحة، ولا يتيسر نشرها صحيحة ما لن يتثبت حاملوها من مروياتهم، والإقلال من الرواية مظنة الوقوع في الخطأ، ولهذا أمر به - رضي الله عنه -، وهذا ما رآه ابن عبد البر والخطيب البغدادي، وغيرهما من أئمة الحديث، وإليه أذهب وبه أقول، فالصحابة لم يزهدوا في السنة، بل كان لهم الفضل الأول في المحافظة عليها. (١)

[الوجه الثاني: أن عمر لم ينه عن كل أنواع التحديث؛ وإنما في الأحاديث التي قد تضعها الناس على غير مواضعها، أما في أحاديث الأحكام فلا.]

قال ابن كثير: وهذا محمول من عمر على أنه خشي من الأحاديث التي قد تضعها الناس على غير مواضعها، وأنهم يتكلمون على ما فيها من أحاديث الرخص، وأن الرجل إذا أكثر من الحديث، ربما وقع في أحاديثه بعض الغلط أو الخطأ فيحملها الناس عنه أو نحو ذلك. (٢)

[الوجه الثالث: مذهب الإقلال من الرواية ليس مذهب عمر وحده.]

قال الذهبي: هكذا هو كان عمر - رضي الله عنه - يقول: أقلوا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، "وزجر غير واحد من الصحابة عن بث الحديث: وهذا مذهب لعمر ولغيره. (٣)

قال علي - رضي الله عنه -: حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون: أتحبون أن يكذب الله ورسوله! (٤)

قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: ما أنت محدثًا قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة. (٥)

ثانيًا: بالنسبة إلى ادعائهم أن عمر - رضي الله عنه - أنكر على أبي هريرة - رضي الله عنه -.

وقال: أبو هريرة أكذب المحدثين، وقال: لتتركن الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو لألحقنك بأرض دوس.

والرد على ذلك من وجوه:

الوجه الأول: قدمنا أن هذا -الإقلال من الحديث- مذهب لعمر - رضي الله عنه - وليس مع أبي هريرة فقط.


(١) السنة قبل التدوين لـ محمد عجاج (١٠٦: ٩٢) بتصرف يسير. وانظر دفاع عن أبي هريرة لـ عبد المنعم صالح العلي صـ ٣٩: ٨٦.
(٢) البداية والنهاية ٨/ ١٠٩.
(٣) سير أعلام النبلاء ٢/ ٦٠٢.
(٤) البخاري (١٢٧).
(٥) رواه مسلم في المقدمة باب النهي عن الحديث بكل ما سمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>