٢ - وقال الخطيب البغدادي: إن قال قائل: ما وجه إنكار عمر على الصحابة - رضي الله عنهم - روايتهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتشديده عليهم في ذلك؟ قيل له: إنما فعل ذلك عمر احتياطًا للدين، وحسن نظر للمسلمين؛ لأنه خاف أن ينكلوا عن الأعمال ويتكلوا على ظاهر الأخبار، وليس حكم جميع الأحاديث على ظاهرها، ولا كل من سمعها عرف فقهها، فقد يرد الحديث مجملًا، ويستنبط معناه وتفسيره من غيره، فخشي عمر أن يحمل حديث على غير وجهه، أو يؤخذ بظاهر لفظه، والحكم بخلاف ما أخذ به ونحو من هذا المعنى الحديث الآخر.
عن معاذ - رضي الله عنه - قال: كنت ردف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حمار له، يقال له عفير، فقال:"يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ " فقلت: الله ورسوله أعلم. قال:"فإن حق الله على العباد: أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله: أن لا يعذب من لا يشرك به"، قلت: أفلا أبشر الناس؟ قال:"لا، فيتكلوا" هذا لفظ حديث خلف. وحديث أبي بكر نحوه، غير أن فيه: قال فقال عمر: أفلا أبشر الناس؟ قال:"لا تبشرهم، فيتكلوا". (١)
مما سبق يتبين لنا أن الصحابة كانوا جميعًا يتثبتون في الحديث، ويتأنون في قبول الأخبار وأدائها، وكانوا لا يحدّثون بشيء إلا وهم واثقون من صحة ما يروون، وقد حرصوا على المحافظة على الحديث بكل وسيلة تفضي إلى ذلك، فاتبعوا منهجًا سليمًا يمنع الشوائب من أن تدخل السنة النبوية فتفسدها، وقد حمل لواء هذه المحافظة والحرص على السنن جميع الصحابة، وتميز منهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وقد ظهر لنا مما رُوي عنه اهتمامه بالسنة النبوية، وإجلاله للحديث الشريف، وإن الأخبار التي رُويت عنه في هذا الشأن ليدعم بعضها بعضًا في سبيل نشر العلم، والحرص على سلامة السنة، ومن ثَمَّ ليس لأحد أن يرى تناقضًا بين وصية عمر لأهل العلم والآثار الأخرى المروية عنه، فهو إذا طلب الإقلال من الرواية فإنما يطلبه من باب الاحتياط لحفظ السنن والترهيب في الرواية، وأما من كان يتقن ما يحدِّث به ويعرف فقهه وحكمه فلا يتناوله أمر عمر - رضي الله عنه -، فكل ما ورد عن أمير المؤمنين؛ فإنما يدل على