للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٨٥)، وقال: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣)} [الشورى: ٥٢، ٥٣]، ومثل هذا في القرآن كثير ولا سبيل إلى اتباعه والتأسي به، والوقوف عند أمره إلا بالخبر عنه، فكيف يتوهم أن عمر - رضي الله عنه - يأمر بخلاف ما أمر الله به وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها"، الحديث، وفيه الحض الأكيد على التبليغ عنه - صلى الله عليه وسلم - وقال: "خذوا عني" في غير ما حديث، و "بلغوا عني" والكلام في هذا أوضح من النهار لأولي النهى، والاعتبار ولا يخلو الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أن يكون خيرًا أو شرًّا؛ فإن كان خيرًا ولا شك فيه أنه خير فالإكثار من الخير أفضل، وإن كان شرًّا فلا يجوز أن يتوهم أن عمر - رضي الله عنه - يوصيهم بالإقلال من الشر، وهذا يدلك أنه إنما أمرهم بذلك خوف مواقعة الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخوف الاشتغال عن تدبر السنن والقرآن؛ لأن المكثر لا تكاد تراه إلا غير متدبر ولا متفقه.

وعمر - رضي الله عنه - هو الناشد للناس في غير موقف بل في مواقف شتى من عنده علم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كذا نحو ما ذكره مالك وغيره عنه في توريث المرأة من دية زوجها، وفي الجنين يسقط ميتًا عند ضرب بطن أمه وغير ذلك مما لو ذكرناه طال به كتابنا وخرجنا عن حد ما له قصدنا، وكيف يتوهم على عمر ما توهمه الذين ذكرنا قولهم؟ وهو القائل: إياكم والرأي؛ فإن أصحاب الرأي أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، وهو القائل: سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن؛ فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله عز وجل. وقد يحتمل عندي أن تكون الآثار كلها عن عمر صحيحة متفقة، ويخرج معناها على أن من شك في شيء تركه، ومن حفظ شيئًا وأتقنه جاز له أن يحدث به، وأن الإكثار يحمل الإنسان على التقحم أن يحدث بكل ما سمع من جيد ورديء، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع"، ولو كان مذهب عمر - رضي الله عنه - ما ذكرنا لكانت الحجة في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -دون قوله فهو القائل: "تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن سمع منكم". (١)


(١) حسن. أخرجه أبو داود في سننه (٣٦٥٩)، وابن حبان في صحيحه (٦٢)، وأحمد في المسند (١/ ٣٢١) من طرق عن الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعًا، والحديث حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٧٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>