للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما جاء عن علي - رضي الله عنه - (تزاوروا وأكثروا ذكر الحديث، فإنكم إن لم تفعلوا يندرس). (١)

تثبت الصحابة - رضي الله عنهم - عند سماع الحديث، حتى كان بعضهم يستحلف الراوي، أو يطلب شاهدًا آخر، أو نحو ذلك، وقد مرّ شيء من هذا. (٢)

وإنما كانوا يفعلون ذلك توقيًا من الخطأ في الرواية وتثبتًا من المسموع.

وخلاصة ما مرّ أن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - سواء رواها الصحابة شفاهًا، أو دوّنوها في صحف- فإنهم كانوا يتثبتون في روايتها غاية التثبت قبل روايتها.

- فلم يرو منهم غير المتقن.

- ولم يرو المتقن منهم غير ما أتقنه.

- وأن السامع لما رواه الأثبات من الصحابة كان يتثبت من المروي، دون تكذيب للراوي، أو اتهام له بالخطأ؛ حرصًا منهم على الإتقان.

[الوجه الرابع: كتابة الصحابة للسنة.]

أقول: قد حدثت كتابة للسنة في الجملة كما يأتي، لكن لم تشمل ولم يؤمر بها أمرًا، ومن حكمة ذلك: أن الله تبارك وتعالى كما أراد لهذه الشريعة البقاء؛ أراد سبحانه أن لا يكلف عباده من حفظها إلا بما لا يشق عليهم مشقة شديدة، ثم هو سبحانه يحوطها ويحفظها بقدرته، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه الوحي يعجل بقراءة ما يوحى إليه قبل فراغه؛ خشية أن ينسى شيئًا منه، فأنزل الله عليه {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه: ١١٤)، وقوله {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧)} (القيامة ١٦، ١٧)، وقوله {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (٨)} (الأعلى ٦: ٨).


(١) المستدرك (١/ ١٧٣ - ٣٢٤).
(٢) في أول باب السنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>