للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن جرير: ويستشهد من قال ذلك بقول الشاعر: أستغفر الله ذنبا لست محصيه رب العباد إليه الوجه والعمل.

وهذا القول لا ينافي القول الأول؛ فإن هذا إخبار عن كل الأعمال بأنها باطلة إلا ما أريد به وجه الله تعالى من الأعمال الصالحة المطابقة للشريعة.

والقول الأول مقتضاه: أن كل الذوات فانية وزائلة إلا ذاته تعال وتقدس؛ فإنه الأول والآخر الذي هو قبل كل شيء وبعد كل شيء.

المعنى السابع: الإخلاص لله: قال تعالى: {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} (البقرة: ٢٧٢)، وقال تعالى: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الروم: ٣٨). وقال تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (الروم: ٣٩).

وعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَال: إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ الله إِلا أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ. (١)

المعنى الثامن: قبلة الله: قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (١١٥)} (البقرة: ١١٥). وإن كانت تثبت أن لله تعالى صفة الوجه.

قال ابن تيمية: فأخبر أن العبد حيث استقبل فقد استقبل قبلة الله؛ ليبين أنه حيث أمر العبد بالاستقبال والتولية فقد استقبل وولَّي قبلة الله ووجهته. (٢)

وقال أيضًا: وهذا قد قال فيه طائفة من السلف: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}، أي فثم جهة الله، والجهة كالوعد والعدة والوزن والزنة.


(١) البخاري (٥٤).
(٢) تلبيس الجهمية (٢/ ٤٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>