للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخلاف بينهما قد يكون بنشوز المرأة، وقد يكون بظلم الرجل، فإن كان بالأول فعلاجه ما مر من المراحل الثلاث، وإن كان بالثاني أو عجز عن إنزالها عن نشوزها وخيف أن يحول الشقاق بينهما دون إقامتهما لأركان الزوجية الثلاثة:

من السكون والمودة والرحمة وجب على الزوجين وذوي القربى أن يبعثوا الحكمين، وعليهم أن يوجهوا إرادتهم إلى إصلاح ذات البين، ومتى صدقت الإرادة وصحت العزيمة؛ فاللَّه كفيل بالتوفيق بفضله وجودة، وبهذا تعلم شدة عناية اللَّه تعالى بأحكام الأسر والبيوت وكيف لم يذكر مقابل التوفيق وهو التفريق لأنه يبغضه؛ ولأنه يود أن يُشعر المسلمين بأنه لا ينبغي أن يقع، ثم ذكر أن ما شرع من الأحكام جاء وفق الحكمة والمصلحة لأنه حكيم خبير بأحوال عباده فقال: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}.

وفي الآية إرشاد إلى أن ما يقع بين الزوجين من خلاف وإن ظن أنه مستعص يتعذر علاجه قد يكون في الواقع على غير ذلك من أسباب عارضة يسهل على الحكمين الخبيرين بدخائل الزوجين -لقربهما منهما- أن يمحصا ما علق من أسبابه بقلوبهما فيزيلاها متى حسنت النية وصحت العزيمة، ولتعلم أن الرابطة الزوجية أقوى الروابط التي تربط بين البشر فبها يشعر كل من الزوجين بشركة مادية ومعنوية بها يأخذ كل منهما شريكَةُ على أدق الأمور وأصغرها، فيحاسبه على فلتات اللسان، وبالظنة والوهم وخفايا حلجات القلب، فيغريهما ذلك بالتنازع في كل ما يقصر فيه أحدهما من الأمور المشتركة بينهما، وما أكثرها! وأعسر التوقي منها وكثيرًا ما يفضي التنازع إلى التقاطع، والعتاب إلى الكره والبغضاء، فعليك أن تكون حكيمًا في معاملة الزوجة خبيرًا بطباعها وبذا تحسن العشرة بينكما. اهـ (١)

٩. واستمرارًا لعلاج النشوز والشقاق قبل الوقوف على باب الطلاق يقول اللَّه تعالى:

{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (النساء: ١٢٨) والمعنى: إن توقعت من بعلها نشوزًا، أو إعراضًا، ترفعًا


(١) تفسير المراغي (٥/ ٣١ - ٣٢)، المنار (٥/ ٧٧ - ٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>