للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - إن تحريم النكاح يثبت بمجرد الرضاعة كما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "يحرم من الرضاعة ما يحرم النسب" (١)، وهذا حديث متفق على صحته، وعمل الأئمة به: فقد حرم اللَّه على المرأة أن تتزوج بطفل غذته بلبنها أو أن تنكح أولاده. . . بل حرم على الطفلة المرتضعة من اللبن أن تنكح الفحل صاحب اللبن، وهو الذي وطئ المرأة حتى در اللبن بوطئه، فإذا كان يحرم على الرجل أن ينكح ابنته من الرضاع، ولا يثبت في حقها شيء من أحكام النسب سوى التحريم، وما يتبعه من الحرمة، فكيف يباح له نكاح بنت خلقت من مائه، وأين المخلوقة من مائه من المتغذية بلبن در بوطئه؟ فهذا يبين التحريم من جهة عموم الخطاب، ومن جهة التنبيه والفحوى وقياس الأولى.

٣ - أن اللَّه تعالى قال: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ}، قال العلماء: احتراز عن ابنه الذي تبناه كما قال: لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرًا، ومعلوم أنهم في الجاهلية كانوا يستلحقون ولد الزنا أعظم مما يستلحقون ولد المتبني، فإذا كان اللَّه تعالى قيد ذلك بقوله: {مِنْ أَصْلَابِكُمْ} علم أن لفظ البنات، ونحوها يشمل كل من كان في لغتهم داخلًا في الاسم. (٢)

الوجه الثاني: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى بالمولود لعبد بن زمعة لأن الفراش كان معلومًا فقضى بالظاهر ثم قال لسودة "احتجبي منه" فكأنه حكم بحكمين حكم ظاهر وهو الولد للفراش، وحكم باطن وهو الاحتجاب من أجل الشبهة، كأنه قال ليس بأخ لك يا سودة إلا في حكم اللَّه بالولد للفراش فاحتجبي منه لما رأى من شبهه لعتبة، قاله بعض أصحاب مالك وضارع في ذلك قول العراقيين، وأما الكوفيون فذهبوا إلى أن الزنا يحرم، وأن له في هذه القصة حكمًا باطنًا أوجب الحجاب، والحكم الظاهر لحاق ابن وليدة زمعة بالفراش. (٣)


(١) رواه البخاري (٢٥٠٢)، ومسلم (١٤٤٥).
(٢) مجموع الفتاوى (٣٢/ ١٣٥).
(٣) التمهيد (٨/ ١٨٥، ١٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>