للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه طريقة معتادة في الخطاب، يخبر السيد عن نفسه ويريد عبده إكرامًا له وتعظيمًا. (١)

الوجه الثاني: بيان أن نسبة المرض والجوع تعود على العبد، لا على الله -عَزَّ وَجَلَّ-.

قال ابن تيمية: فإنه لا يجوز لعاقل أن يقول: إن دلالة هذا الحديث مخالفة لعقلٍ ولا سمع إلا من يظن أنه قد دل على جواز المرض والجوع علي الخالق سبحانه وتعالى، ومن قال هذا فقد كذب على الحديث، ومن قال: إن هذا ظاهر الحديث أو مدلوله أو مفهومه فقد كذب؛ فإن الحديث قد فسره المتكلم به وبين مراده بيانًا زالت به كل شبهة، وبين فيه أن العبد هو الذي جاع، وأكل، ومرض، وعاده العواد، وأن الله - سبحانه - لم يأكل ولم يُعَدْ. (٢)

[الوجه الثالث: فهم السلف لهذا الحديث.]

قال ابن عثيمين: السلف أخذوا بهذا الحديث ولم يصرفوه عن ظاهره بتحريف يتخبطون فيه بأهوائهم، وإنما فسروه بما فسره به المتكلم به، فقوله - تعالى - في الحديث القدسي: "مرضت، واستطعمتك، واستسقيتك" بينه الله - تعالى - بنفسه حيث قال: "أما علمت أن عبدي فلانًا مرض، وأنه استطعمك عبدي فلان، واستسقاك عبدي فلان" وهو صريح في أن المراد به مرض عبد من عباد الله، واستطعام عبد من عباد الله، واستسقاء عبد من عباد الله، والذي فسره بذلك هو الله المتكلم به، وهو أعلم بمراده، فإذا فسرنا المرض المضاف إلى الله، والاستطعام المضاف إليه، والاستسقاء المضاف إليه، بمرض العبد، واستطعامه، واستسقائه - لم يكن في ذلك صرف للكلام عن ظاهره؛ لأن ذلك تفسير المتكلم به، فهو كما لو تكلم بهذا المعنى ابتداءً. (٣)

الوجه الرابع: إن إضافة المرض، والإطعام، والاستسقاء لله -عَزَّ وَجَلَّ- إنما هي على الترغيب.

وقد أضاف الله - تعالى - مرض عبده واستطعامه واستسقائه إلى نفسه للترغيب والحث كقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: ٢٤٥].


(١) نقلًا من إبطال التأويلات ١/ ٢٢٤.
(٢) درء التعارض لابن تيمية ١/ ٨٦.
(٣) القواعد المثلى لابن عثيمين (٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>