للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال العلماء: رحمهم والإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة (١)، كما ورد عن ابن عباس - رضي الله عنه -، قال سعيد بن جبير: قال رجل لابن عباس: الكبائر سبع؟ قال: هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع غير أنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار (٢).

وقال ابن تيمية: فإن الزنا من الكبائر وأما النظر والمباشرة فاللمم منها مغفور باجتناب الكبائر فإن أصر على النظر أو على المباشرة صار كبيرة وقد يكون الإصرار على ذلك أعظم من قليل الفواحش فإن دوام النظر بالشهوة وما يتصل به من العشق والمعاشرة والمباشرة قد يكون أعظم بكثير من فساد زنا لا إصرار عليه ولهذا قال الفقهاء في الشاهد العدل أن لا يأتي كبيرة ولا يصر على صغيرة (٣).

[الوجه السادس: معنى الآية متكامل.]

إن الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإن وقع منهم لمم خطأ وليس إصرارًا فإنه يغفر لهم، نقول للذين أحسنوا الحسنى وزيادة، فالذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ووقع منهم بعض الصغائر أو لمم خطأ أو سهو أو نسيان فإنه يغفر لهم هذا اللمم، ومصداق ذلك قول الله - عز وجل - في كتابه: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (٣١)} أي: إن تجتنبوا كبائر الذنوب التي نهاكم الله عنها: {نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} أي: ذنوبكم التي هي صغائر، وحمل السيئات على الصغائر هنا متعين لذكر الكبائر قبلها، وجعل اجتنابها شرطًا لتكفير السيئات، {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا} أي: مكان دخول، وهو الجنة (٤).

وقال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: ٥]، أي: وإنما الإثم على مَنْ تعمد الباطل كما قال


(١) صحيح مسلم بشرح النووي (١/ ٣٦٤).
(٢) عمدة القاري (٢٢/ ٨٤).
(٣) فتاوى ابن تيمية (١٥/ ٢٩٣).
(٤) فتح القدير (١/ ٦٨٤)، ابن كثير (٣/ ٤٤٨)، الطبري (٤/ ٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>