النبي - صلى الله عليه وسلم - والحال أن مكة ليست بلدًا شاسعًا، بل هي صغيرة ينتقل فيها الخبر بنداءٍ على صخرة من صخور الحرم.
الوجه الثالث: لو فرضنا أن أهل الجاهلية الذين بُعِثَ فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهل الفترة، وأنهم لم يصلهم، ولم تقم عليهم الحجة الرسالية، ووافقفا السيوطي في ذلك؛ فإن بعض أهل الجاهلية قد جاءت فيهم نصوص خاصة بأنهم في النار ومنهم أبوي النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال السيوطي: فإن قلت: هذا المسلك الذي قررته هل هو عام في أهل الجاهلية كلهم؟ قلت: لا بل هو خاص بمن لم تبلغه دعوة نبي أصلًا، كما من بلغته منهم دعوة أحد من الأنبياء السابقين، ثم أصرَّ على كفره فهو في النار قطعًا وهذا لا نزاع فيه. (١)
قال الدكتور أحمد بن صالح الزهراني: ثم إذا كان ما قرره من الوجوه سائغًا في أبوي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو قد أقر أن هذا المسلك ليس في أهل الجاهلية كلهم، فقد اعترف بأن أهل الجاهلية ليسوا من أهل الفترة في العموم؛ إذ لو كانوا كذلك لجزم بأنهم معذورون كلهم، بل في جوابه هذا إقرار بأن الفترة الزمنية التي سبقت مبعثه - صلى الله عليه وسلم - كانت تصلها دعوات بعض الأنبياء، وعليه فيصبح الكلام في حال أحدٍ بعينه أنه وصلته الدعوة أم لم تصله يحتاج إلى دليل خاص.
وإذا جاء الدليل الخاص بأن فلانًا في النار؛ فهذا يدل دلالة ضمنية على أن هذا الشخص بالذات بلغته الدعوة وأصر على الكفر.
وإذا تم الاتفاق على الإيمان والتسليم بما جاء في بعض الأفراد بأعيانهم، سواء كانوا في الجنة أم في النار، فإن البحث في حال الآخرين يصبح غير ذي جدوى، ولا يهمنا في الحقيقة أن نعلم عنهم بلغتهم الدعوة أم لا.
الوجه الرابع: لو فرضنا أن أهل الجاهلية المبعوث فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهل الفترة وأنهم لم يصلهم البلاغ ولم تقم عليهم الحجة الرسالية، وأنهم سَيُمتحَنون في عرصات يوم القيامة؛ فإنهما لن ينجوا من الامتحان.