للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} (السجدة: ٣)، وقوله: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} (يس: ٦).

وهذه النصوص لا حجة فيها للسيوطي ولا من معه في عدِّهم أهل الجاهلية من أصحاب الفترة الذين يُمتَحَنُونَ يوم القيامة، وذلك لِلَحظٍ غفل عنه السيوطي ومن معه؛ ألا وهو: أن نفي الإنذار لا يلزم منه عدم قيام الحجة، بل الحجة تقوم بأدنى علم نبوي يصل للسامع، خصوصًا دعوة التوحيد، ونفي الشرك التي بها بعض أهل الجاهلية، وينجو بها آخر الزمان، من لا يعلمون من الدين إلا بالكلمة كما في حديث حذيفة المتقدم.

ونحن نعلم أن العرب وخصوصًا أهل الجاهلية الذين بُعِثَ فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأتهم نذير ولم يُرسِل الله إليهم رسولًا، لكن قيام الحجة عليهم واقع.

ومما يؤكد أنه من المعلوم أن فائدة المنذرين من الرسل وغيرهم ليست البلاع وفقط، بل بنو إسرائيل كان يُرسَلُ إليهم رسل وأنبياء لإنذارهم عذاب الله، مع أن الحجة قائمة عليهم، ولهذا نجد أن التعبير القرآني أحيانًا يشير إلي هذا المعنى، حين يعلل الرسالة بقوله: {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}، أي: لما نسوه ببعدهم عن دين الله، ولم يقل مثلًا - في غير القرآن -: لعلهم يعلمون.

والتعبير بالغفلة لا يلزم منه أنهم غافلون عن الحق فيُعذرون، بل وصف الله تعالى مَن أعرض عن الآيات بالغفلة، فالغفلة مثل الجهالة، قد تكون بمعنى عدم العلم والبلاغ، وقد تكون بمعنى الغفلة عن حقيقة الشيء، والجهل بعاقبة العمل، كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (الأعراف: ١٧٩)، وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (النحل: ١٠٨).

ثم ماذا عن وجود مثل ورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو بن نفيل بين ظهرانيهم ووفود أهل الكتاب التي كانت تأتي مكة؟ ألا يجوز أن تنتقل الدعوة وتبلغهما - أي: أبوي

<<  <  ج: ص:  >  >>