للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أطوارًا وتدرجًا، فلا جرم دل عدم تشابه الحالين على أن هذا الحال الأخير حال رَباني محض، وأن هذا الكلام موحًى إليه من عند الله ليس له بذاته عمل فيه (١).

ويقول أيضًا: والتقدير أفلا تعقلون أنَّ مثل هذا الحال من الجمع بين الأمية والإتيان بهذا الكتاب البديع في بلاغته ومعانيه لا يكون إلا حال من أفاض الله عليه رسالته إذ لا يتأتى مثله في العادة لأحد ولا يتأتى ما يقاربه إلا بعد مدارسة العلماء ومطالعة الكتب السالفة ومناظرة العلماء ومحاورة أهل البلاغة من الخطباء والشعراء زمنًا طويلًا وعُمرًا مديدًا، فكيف تأتَّى ما هو أعظم من ذلك المعتادِ دَفعةً لمن قضى عمره بينهم في بلاده يرقبون أحواله صباح مساءَ، وما عُرف بلدهم بمزاولة العلوم ولا كان فيهم من أهل الكتاب إلا من عَكف على العبادة وانقطع عن معاشرة الناس (٢).

[الوجه السادس: صفة نبي الله عيسى عليه السلام في الكتاب المقدس.]

هذه بعض الصفات التي وُصف بها المسيح في الكتاب المقدس، حيث إن من عادتهم أنهم يلصقون كل صفة قبيحة ومذمومة لأنبيائهم وصالحيهم:

يصفون المسيح بأنه غير قادر: (يوحناه/ ٣٠): أَنَا لا أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئًا. كما أَسْمَعُ أَدِينُ، وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ، لأَنِّي لا أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي.

ويصفون المسيح بأنه ملعون: (غلاطية ٣/ ١٣): الْمسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: "مَلْعُون كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ.

ويفترون عليه كذبًا، ويقولون أنه يأمرهم بالنفاق: (صموائيل الثاني ٢٢/ ٢٧): مَعَ الطَّاهِرِ تَكُونُ طَاهِرًا، وَمَعَ الأَعْوَجِ تَكُونُ مُلْتَوِيًا.

* * *


(١) التحرير والتنوير (١١/ ١٢١: ١٢٠).
(٢) التحرير والتنوير (١١/ ١٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>