للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينافي العدل بعد ذلك أن يزيد في الثواب أو ينقص من العقاب بمقتضى فضله ورحمته، فإذا أُريد بالعدل والمساواة في أصل الخلق وكل ما يلزمه، فهذا قطعًا غير موجود، وإن أُريد به المساواة في مجازاة العاملين بما يستحقونه في الظاهر - بلا مراعاة ولا محاباة فهذا حق، وهو صفة من صفاته تعالى، فإنه كما يسميه المسلمون الحكم العدل لجميع مخلوقاته (١).

[الوجه الثاني: ما الذي جعل الإله في مأزق بين العدل والرحمة؟]

يقولون إن الله أراد برحمته أن يخلص الأرض من اللعنة التي أصابتها بسبب معصية آدم، لكن عدله يأبى إلا أن يعاقب أصحاب الذَّنْبَ، فكيف المخرج للتوفيق بين العدل والرحمة، فمن أين علموا أن معصية آدم كانت لعنة أصابت الأرض بمن عليها، وما ذنب الأرض والمعصية قد فعلها آدم في الجَنَّة في السماء، وليست على الأرض؟ ومن الغريب أنهم بعد أن وضعوا الإله الأب في مأزق من صنع أيديهم راحوا يخترعون له مخرجًا يخرج منه بأقلامهم وألسنتهم (٢).

قولهم: (إن صلب المسيح كان لا بد منه للتوفيق بين العدل والرحمة التي تنتج عن خطية آدم بالأكل من الشجرة والتي ترتب عليها الانفصال بين البشر والإله والحكم عليهم بالموت ففداهم المسيح الإله وصُلب كفارةً عن خطايا البشر).

وللرد على ذلك نقول:

لا يمكن أن يَقبل هذه القصة (صلب المسيح كما يزعمون) من يؤمن بالدليل العقلي أن خالق العالم لا بد أن يكون بكل شيء عليمًا، وفي كل صنعه حكيمًا؛ لأنَّها تستلزم الجهل والبداء على الباري -عَزَّ وَجَلَّ-، كأنه حين خلق آدم ما كان يعلم ما يكون عليه أمره، وحين عصاه ما كان يعلم ما يقتضيه العدل والرحمة في شأنه حتى اهتدى إلى ذلك بعد ألوف السنين مرت على خلقه، كان فيها حائرًا كيف يُجمع بين الصفتين من صفاته وواقعًا في ورطة التناقض بينهما، ولكن قد يقبلها من يشترط الدين عندهم أن لا يتفق مع العقل.


(١) نظرة في كتب العهد الجديد (١٢٤).
(٢) ولكن شُبِّه لهم (٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>