للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو سبحانه حكم عدل لا يضع الشيء إلا في موضعه الذي يناسبه ويقتضيه العدل والحكمة والمصلحة، وهو سبحانه لا يفرق بين متماثلين ولا يساوي بين مختلفين ولا يعاقب إلا من يستحق العقوبة، ويضعها بوضعها لما في ذلك من الحكمة ولا يعاقب أهل البر والتقوى، وهذا قول أهل اللغة قاطبةً.

قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (١١٢)} قال المفسرون من السلف والخلف قاطبةً إن الظلم أن يحمل عليه سيئات غيره، والهضم هو أن ينقص من حسنات العامل (١).

فإن من عدل الرب أن لا ينقص أحدًا من حسناته ولا يعاقبه إلا بذنبه لم يجز حينئذ أن يعاقب ذرية آدم بذنب أبيهم ولم يجز أن يعاقب الأنبياء الذين ليس لهم ذنب إلا ذنبًا تابوا منه بذنب غيرهم فإن الأنبياء معصومون أن يقروا على ذنب فكل من مات منهم مات وليس له ذنب يستحق عليه العقوبة فكيف يعاقبون بعد الموت بذنب أبيهم؟ إن قدر أنه مات مصرًا على الذَّنْبَ مع أن هذا تقدير باطل (٢).

والعدل إذا كان مصدرًا فمعناه خلاف الجور (الظلم) وهو ما قام بالنفوس أنه مستقيم، وقال الراغب: الظلم هو الانحراف عن العدل، ولذلك حد بأنه وضع الشيء في غير موضعه المخصوص به (٣).

والنصارى يظنون أن العدل معناه وجوب معاقبة المذنب على ذنبه، والحق أن العدل معناه المساواة، فإذا ساوى الله تعالى بين جميع عباده في معاملته معهم بأن غفر مثلًا لجميع المذنبين وزاد في مقابلة ذلك في أجر المحسنين فهو لا شك عادل لغةً وعرفًا وعقلًا، وكذلك إذا وفَّى كل مخلوق حقه تمامًا بلا نقص في الأجر ولا زيادة في العقاب عما يستحقه كل شخص، ولا


(١) مختصر الصواعق المرسلة ١/ ٢٢٢.
(٢) الجواب الصحيح لابن تيمية ١/ ٢٢٠.
(٣) موسوعة نضرة النعيم ١٠/ ٤٨٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>