للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما عمر - رضي الله عنه - فاشتبه عليه هل كان قول النبي - صلى الله عليه وسلم - من شدة المرض أو كان من أقواله المعروفة، والمرض جائز على الأنبياء ولهذا قال: ما له أهجر، فشك في ذلك ولم يجزم بأنه هجر، والشك جائز على عمر؛ فإنه لا معصوم إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - لا سيما وقد شك بشبهة فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مريضًا فلم يدر أكلامه كان من وهج المرض كما يعرض للمريض أو كان من كلامه المعروف الذي يجب قبوله، وكذلك ظن أنه لم يمت حتى تبين أنه قد مات، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد عزم على أن يكتب الكتاب الذي ذكره لعائشة، فلما رأى أن الشك قد وقع علم أن الكتاب لا يرفع الشك فلم يبق فيه فائدة وعلم أن الله يجمعهم على ما عزم عليه كما قال: "وَيَأْبَى اللهُ وَالمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ". (١)

ولا يلتفت إلى قول أحد فإنه -أي عمر- أطوع الخلق له، فعلم أنه لما ترك الكتاب يكن الكتاب واجبًا ولا كان فيه من الدين ما تجب كتابته حينئذ إذ لو وجب لفعله، ولو أن عمر - رضي الله عنه - اشتبه عليه أمر ثم تبين له أو شك في بعض الأمور فليس هو أعظم ممن يفتي ويقضي بأمور ويكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حكم بخلافها مجتهدًا في ذلك ولا يكون قد علم حكم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن الشك في الحق أخف من الجزم بنقيضه. وكل هذا إذا كان باجتهاد سائغ كان غايته أن يكون من الخطأ الذي رفع الله المؤاخذة به كما قضى عليٌّ في الحامل المتوفى عنها زوجها أنها تعتد أبعد الأجلين مع ما ثبت في الصحاح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لما قيل له: إن أبا السنابل بن بعكك أفتى بذلك لسبيعةَ الأسلميةَ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كذب". (٢)

[الوجه السابع: إن الذين قالوا ما شأنه أهجر أو هجرهم الذين كانوا قريبي العهد بالإسلام.]

قال ابن حجر: (ويظهر لي ترجيح ثالث الاحتمالات، التي ذكرها القرطبي، ويكون قائل ذلك بعض من قرب دخوله في الإسلام، وكان يعهد أن من اشتد عليه الوجع، قد يشتغل به عن تحرير ما يريد (٣)).


(١) منهاج السنة النبوية (٦/ ١١).
(٢) منهاج السنة النبوية (٦/ ١٢).
(٣) فتح الباري (٨/ ١٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>