للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الصالحين عطفت هنا بفاء التعقيب، وبشارته بإسحاق ذكرت في هذه السورة معطوفة بالواو عطف القصة على القصة (١).

[٤ - الحجة الرابعة: الاستدلال بما فرق الله به بين الذبيح وإسحاق، فوصف الذبيح بأنه غلام حليم، ووصف إسحاق بأنه غلام عليم، وبما وصف الله به إسماعيل من صفة الصبر وصادق الوعد.]

فقد وصف الله سبحانه الذبيح في سورة الصافات بقوله: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}، وأما إسحاق فجميع الآيات التي جاءت في البشرى به وصفه رب العزة بقوله: {عَلِيمٍ}، كما في سورة الحجر: {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} (الحجر: ٥٣)، وكما في الذاريات {وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} (الذاريات: ٢٨)، وهذا التخصيص لا بد له من حكمة، والحلم هنا مناسب للصبر الذي هو خلق الذبيح، وكذلك فإن إسماعيل قد وصف بالصبر في قوله تعالى {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الأنبياء: ٨٥] (الأنبياء: ٨٥)، وهذا مناسب لقول الله سبحانه: {يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: ١٠٢].

وكذلك وصف الله إسماعيل بصدق الوعد في قوله: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: ٥٤] لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فوفي به، وإذا كان الله سبحانه قد وصف إسماعيل بهذه الصفات ولم يصف إسحاق بشيء منها، فهذا يدل على أن إسماعيل هو الأنسب دون غيره بأن يكون هو الذبيح (٢).

[٥ - الحجة الخامسة: الاستدلال بوجود قرنا الكبش في الكعبة.]

وهذا مما استدل به من قال بأن الذبيح إسماعيل بأن قرني الكبش الذي فدى به الذبيح كان بالكعبة إلى أن احترق البيت واحترق االقربان أيام ابن الزبير والحجاج، فمعني ذلك أن مكان الذبح بمكة، ولو كان الذبيح إسحاق الكان الذبح قد تم بالشام، ولم ينقل عن


(١) التحرير والتنوير ٢٣/ ٢٤٩.
(٢) الرازي في تفسيره ٢٦/ ١٥٣ - ١٥٤، الخازن في تفسيره ٤/ ٢٢، مجموع الفتاوى ٤/ ٣٣٤، البحر المحيط ٧/ ٣٥٧، فتح القدير ٤/ ٥٦٧، روح المعاني ٢٣/ ١٣٤، الكشاف ٤/ ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>