للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنما كان حين لم يكن له ولد، وإلا لقيل له قد وهبنا لك من الصالحين، فههنا ذكر الله سبحانه الإجابة في عقب الدعاء ووصلهما بالفاء، فقال سبحانه: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}.

وقد أجمع الناس على أن إسماعيل متقدم في الوجود على إسحاق، فثبت أن المطلوب بهذا الدعاء وهو إسماعيل، ثم إن الله تعالى ذكر عقيبه قصة الذبيح فوجب أن يكون الذبيح هو إسماعيل (١).

قال ابن تيمية: والْبشارَةَ بِإسحاق كَانَتْ مُعْجِزَةً، لِأَنَّ الْعَجُوزَ عَقِيمٌ؛ وَلهذَا قَالَ الْخَلِيلُ -عليه السَّلام- {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} [الحجر: ٥٤]، وَقَالَتْ امْرَأتُهُ {أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} (هود: ٧٢)، والْبِشَارَةَ بِإسحاق فِي حَالِ الْكِبَرِ وَكَانَتْ الْبِشَارَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ إبْرَاهِيمَ وامرأته. وَأَمَّا الْبِشَارَةُ بِالذَّبِيحِ فَكَانَتْ لِإِبْرَاهِيمَ -عليه السَّلام- وَامْتُحِنَ بِذَبْحِهِ دُونَ الْأُمِّ المبَشَّرَةِ بِهِ وَهَذَا مِمَّا يُوَافِقُ مَا نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابِهِ فِي الصَّحِيحِ وَغَيرهِ: مِنْ أَنَّ إسْمَاعِيلَ لمَّا وَلَدَتْهُ هَاجَرُ غَارَتْ سارة فَذَهَبَ إبْرَاهِيمُ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ إلَى مَكَّةَ وَهُنَاكَ أَمْرٌ بِالذَّبْحِ (٢). وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ هَذَا الذَّبِيحَ دُونَ ذَلِكَ. (٣)

وبنحو هذا الكلام قال ابن القيم: وينتهي الإمام إلى القول بأن من يتأمل سياق هذه البشارة وتلك تجدهما بشارتين متفاوتتين مخرج إحداهما غير مخرج الأخرى، والبشارة الأولى كانت له والثانية كانت لها، والبشارة الأولى هي التي أمر بذبح من بشر فيها دون الثانية (٤).

وهذا وقد قال ابن عاشور: بأن البشارة بإسحاق كانت بمحضر سَارَة أمِّه وقد جُعلت هي المبشرة في قوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} (هود: ٧٢)، فتلك بشارة كرامة والأولى بشارة استجابة دعائه، فلما ولد له إسماعيل تحقق أمل إبراهيم أن يكون له وارث من صلبه، فالبشارة بإسماعيل لما كانت عقب دعاء إبراهيم أن يهب الله له


(١) التفسير الكبير للرازي ٢٦/ ١٥٤ بتصرف، زاد المعاد ١/ ٧٠.
(٢) البخاري (٣١٨٤).
(٣) مجموع الفتاوى ٤/ ٣٣٥.
(٤) إغاثة اللهفان ٢/ ٤٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>