للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سادسًا: هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كل لحظة كان يزداد علمه ومرتبته؛ حتى كان حاله فيما مضى بالنسبة إلى ما هو فيه تركًا للأفضل، فكان له في كل ساعة تقوى متجددة فقوله: {اتَّقِ اللَّهَ} على هذا أمر بما ليس فيه وإلى هذا أشار - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "من استوى يوماه فهو مغبون" ولأنه طلب من ربه بأمر الله إياه به زيادة العلم حيث قال: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، وأيضا إلى هذا وقعت الإشارة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة" (١) (٢).

سابعًا: والآية لا تدل على عدم تقواه، ومن قال ذلك، فهذا كله كذب لأن النهي عن الشيء لا يدل على وقوعه بل يدل على أنه ممنوع منه لئلا يقع فيما بعد كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} فهذا لا يدل على أنه كان يطيعهم.

وكذلك قوله: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن مشركًا قط، لا سيما بعد النبوة، فالأمة متفقة على أنه معصوم من الشرك بعد النبوة، وقد نهى عن ذلك بعد النبوة ونظائره كثيرة فقوله: {وَلَا تَحْزَنْ} لا يدل على أن الصديق كان قد حزن لكن من الممكن في العقل أنه يحزن فقد ينهى عن ذلك لئلا يفعله (٣).

ثامنًا: أن هذا خطاب للتحذير والإنذار، والتحذير ليس معناه أن المخاطب وقع في الحذور.

تاسعًا: أن هذا الخطاب أدب من الله - صلى الله عليه وسلم -، وتهديد لغيره (٤).

[الوجه الثالث: النبي - صلى الله عليه وسلم - أتقى الناس لربه.]

قال تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} (الأحزاب: ٣٩). عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَمَرَهُم، أَمَرَهُمْ مِنْ الْأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ، قَالُوا إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ الله، إِنَّ الله قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا


(١) مسلم (٢٧٠٢).
(٢) تفسير الرازي (٢٥/ ١٩٠).
(٣) منهاج السنة النبوية لابن تيمية (٨/ ٤٥٧).
(٤) البغوي (٤/ ٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>