للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهي لمجرد الخطاب والنداء وليست للتنبيه (١).

ثالثا: وإن كانت التقوى معلومة من حاله، ففي أمره بها ثلاثة أمور:

أحدها: أن المراد بذلك استدامة ما هو علي، والثاني: الإِكثار مما هو فيه، والثالث: هو خطاب المراد به أُمَّتُه (٢).

رابعًا: وفائدة هذا الأمر والنهي التشهير لهم بأن النبي- صلى الله عليه وسلم- لا يقبل أقوالهم ليَيْأسوا من ذلك لأنهم كانوا يدبرون مع المشركين المكايد ويظهرون أنهم ينصحون النبي - صلى الله عليه وسلم - ويلحّون عليه بالطلبات نصحًا تظاهرًا بالإسلام (٣).

خامسًا: الأمر بالشيء لا يكون إلا عند عدم اشتغال المأمور بالمأمور به، إذ لا يصلح أن يقال للجالس اجلس وللساكت اسكت والنبي - صلى الله عليه وسلم - وكان متقيًا فما الوجه فيه؟ نقول فيه وجهان: أحدهما: منقول وهو أنه أمر بالمداومة؛ فإنه يصح أن يقول القائل للجالس اجلس هاهنا إلى أن أجيئك، ويقول القائل للساكت قد أصبت فاسكت تسلم، أي دم على ما أنت عليه، والثاني: وهو معقول لطيف، وهو أن الملك يتقي منه عباده على ثلاثة أوجه: بعضهم يخاف من عقابه، وبعضهم يخاف من قطع ثوابه، وثالث يخاف من احتجابه، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُؤمر بالتقوى بالمعنى الأول ولا بالمعنى الثاني، وأما الثالث فالمخلص لا يأمنه ما دام في الدنيا.

وكيف والأمور الدنيوية شاغلة والآدمي في الدنيا تارة مع الله، وأخرى مقبل على ما لابد منه، وإن كان معه الله وإلى هذا إشارة بقوله: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} (فصلت: ٦)، يعني يرفع الحجاب عني وقت الوحي ثم أعود إليكم كأني منكم فالأمر بالتقوى يوجب استدامة الحضور (٤).


(١) وانظر: تفسير اللباب لابن عادل: في تفسير هذه الآية.
(٢) زاد المسير (٦/ ٣٤٨).
(٣) التحرير والتنوير (٢١/ ٢٥٠).
(٤) تفسير الرازي (٢٥/ ١٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>