وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} ومثال ذلك في الشعر قول عنترة:
ولقد نزلت فلا تظني غيره ... مني بمنزلة المحب المكرم
ثم قال مخبرًا عنها:
كيف المزار وقد تربع أهلها ... بعنيزتين وأهلها بالغيلم
أو انصراف المتكلم من الإخبار إلى المتكلم كقوله تعالى:{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ} أو انصراف المتكلم من التكلم إلى الإخبار كقوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [إبراهيم: ١٩، ٢٠] , وقد جمع امرؤ القيس الالتفاتات الثلاثة في ثلاث أبيات متواليات، وهي قوله:
تطاول ليلك بالإثمد ... ونام الخلى ولم ترقد
وبات وباتت له ليلة ... كليلة ذي العائر الأرمد
وذلك من نبأ جاءني ... وخبرته عن أبي الأسود
يخاطب في البيت الأول وانصرف إلى الأخبار في البيت الثاني، وانصرف عن الأخبار إلى التكلم في البيت الثالث على الترتيب. (١)
الوجه الثاني: كلام المفسرين عن هذا الالتفات بلاغةً، ومعنًى، وأسرارًا
قال الطبري: فإن قال لنا قائل: وما معنى قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}؟ أحَمِد الله نفسه - جلّ ثناؤه - فأثنى عليها، ثم علَّمنَاه لنقول ذلك كما قال ووصَف به نفسه؟ فإن كان ذلك كذلك، في وجه قوله تعالى ذكره إذًا:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وهو عزّ ذكرُه معبودٌ لا عابدٌ؟ أم ذلك من قِيلِ جبريلَ أو محمدٍ رَسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقد بَطل أن يكون ذلك لله كلامًا.
قيل: بل ذلك كله كلام الله جل ثناؤه، ولكنه جلّ ذكره حَمِد نفسه، وأثنى عليها بما هو له أهلٌ، ثم علَّم ذلك عباده، وفرض عليهم تلاوته، اختبارًا منه لهم وابتلاءً، فقال لهم